ايهاب الحضرى
بالشمع الأحمر - النحيب وحده لا يكفي!
ليس مستغربا أن يكون الهجوم هذه المرة علي مسجد، فقد عرف سفاكو الدماء طريقهم من قبل إلي الكنائس، ولغة الدم لا تختار شهداءها عبر بطاقات الهوية، لأنها تعتمد منطق المساواة في التكفير! أتذكر عبارة لشاب قبطي صغير السن، من أصدقاء الفيس بوك. عقب جريمتي الإسكندرية وطنطا تساءل بأسي: لماذا نحن من ندفع الثمن دائما؟ حذرته وقتها من السقوط في فخ يرسمه لنا البعض بعناية، فكلنا في الوطن سواء، و»نحن» جميعا أهداف محتملة لخفافيش لا تعرف من الألوان سوي الأسود! اختلطت دماء الشهداء في المسجد والكنيسة وعلي أرض المعركة، ونحن نكتفي كل مرة بثورة مؤقتة، وغضب نُفرغ فيه انفعالاتنا، ثم نهدأ حتي إرهاب جديد.
لغة النحيب لم تعد تجدي، وهيستيريا الصراخ أصبحت بالغة الضرر، كما أن الانشغال بقضايا جانبية يجعلنا نخسر الكثير، فوسط انفعالاتنا نبدأ حروبا بينية تشق الجبهة الواحدة. انشغل البعض بمحاسبة الأزهر علي عدم تكفير الإرهابيين، دون أن ينتبه هؤلاء أن إقرار كُفر الإرهابي لن يعيده إلي رشده، كما أن الإعدام لن يجعل انتحاريا يخشي المشنقة. لكن المشكلة أن الجرائم تتوالي ولا نتعلم منها دروسا تجعلنا نقوم بتصحيح مساراتنا. وأعتقد أن الحديث عن مواجهة الإرهاب بالفكر مهم، لكن ليس مع الجيل الحالي من المُتدثرين بعباءته، لهذا فإن التعامل الأمني معهم لابد أن يكون مصحوبا باستراتيجية مُخططة بعناية، لوقف تفريخ تكفيريين جدد، يأتي علي رأسها التعامل مع العقول بأسلوب يختلف عن موضوعات التعبير، لأن الأجيال الجديدة تمتلك منطقا لم يعد يتفاعل مع أساليب التلقين العقيمة، وأعتقد أن الأمر يحتاج إلي دراسات متأنية، يشارك فيها خبراء الإعلام مع علماء الاجتماع والنفس، لتحليل الخطاب المتطرف، الذي يملك في أحيان كثيرة قوة الوصول والإقناع والجذب. وعلي أساس نتائج هذه الدراسات يتم وضع أسس جديدة ومغايرة لخطاب غير مباشر، يُحدّث المستهدفين بمنطقهم، وفي معاقل تواجدهم علي شبكات الإنترنت، لأن ترك مهمة تحديد سمات الخطاب لمؤسسات دينية فقط ثبت فشلها، بعد أن اقتصرت أفكار بعض مسئوليها علي توحيد خطبة الجمعة، وقصرها علي موضوعات لا تثير اهتمام أحد. وفي مواجهة رصاصات الإرهاب الغاشم يصبح الحديث عن قيم الوفاء والعمل والإخلاص وغيرها عبثا، كما أن العبارات المكررة عن نبذ العنف والدم أصبحت لا تقوي علي الصمود أمام طلقات الرصاص.
يعتمد الكثير من علماء الدين علي خطاب ينتمي للقرون الوسطي، يواجه أفكارا تنطلق علي نطاقات واسعة بضغطة زر، وتبدو المقارنة عبثية بين جمل يسابق صاروخا! وفي سياق كهذا يبدو مصطلح »تجديد الخطاب الديني» لغزا يستعصي علي بعضهم فهمه، وبينما تبدو خطابات التطرف قادرة علي التحليق حول العالم، لا يملك التعبير عن الإسلام الوسطي سوي الطيران المنخفض، والمشكلة لا تتمثل في الوسيلة المُستخدمة فقط، بل ينبغي أن يمتد الأمر إلي المضمون، ليتمكن فكر الاعتدال من الصمود في هذا الصراع الشرس.
إن مواجهة محطات تفريخ الإرهابيين الجدد هو خير ثأر لدماء شهدائنا، لأن التعامل الأمني يواجه أخطار الحاضر، بينما يظل المستقبل مرهونا بثورة الأفكار، وبدونها سيتساقط الإرهابيون قتلي بينما تنتقل سموم أفكارهم إلي آخرين، فقبل سنوات تم إعدام سيد قطب، لكن كتابه الأشهر واصل إنتاج سفاكي دماء جدد، وإذا أردنا أن نخرج من الأزمة خروجا آمنا فلابد أن نتجاوز هيستيريا الانفعالات المؤقتة، إلي استراتيجية تضمن لنا انتقالا ناجحا إلي المستقبل.