الأهرام
محمد ابو الفضل
عندما تأكل الأفاعى بعضها
النهاية المأساوية التى وصل إليها الرئيس اليمنى السابق على عبدالله صالح، تؤكد أن مقولته الشهيرة «الرقص على رءوس الثعابين» التى مكنته من حكم البلاد 34 عاما، لابد لها من نهاية، فلا أحد يستطيع الاستمرار فى اللعب مع الثعابين دون أن يلدغه أحدها، فما بالنا إذا كان يرقص على رءوسهم وتحولوا إلى أفاع ؟

العبارة التى درج على ترديدها «صالح» كدليل على براعته السياسية والأمنية، جاءت من رحم خبرة طويلة فى حكم اليمن والقفز على تعقيداته وتشابكاته، فى الداخل والخارج، ونجاحه فى تخطى فخاخ كثيرة نصبت له، فالرجل تحالف مع الجنوبيين وأعلن وحدة اليمن عام 1990 وبعد أربع سنوات دخل حربا ضروسا معهم، لا تزال مراراتها وتداعياتها مستمرة حتى اليوم.

وخاض ست حروب ضد الحوثيين فى أقل من ثمانية أعوام (2002- 2009) ثم تحالف معهم بعد خروجه من السلطة، أملا فى أن يتمكن من القفز عليها مرة أخري، وعندما تخيل أن الفرصة مهيأة أمامه أعلن انقلابه على الحوثيين، وأصبح قريبا من السعودية التى سبق أن تحالف معها وساندته كثيرا، ثم انقلب عليها من قبل وبدا قريبا من عدوتها اللدود إيران، عبر نافذة الحوثيين.

فعل ذلك أيضا مع جماعة الإخوان والسلفيين وتنظيم القاعدة وقبائل كبيرة وصغيرة مؤثرة، واشترى ولاءات متعددة وبدل تحالفات كثيرة، وبعد فترة من الصعود والهبوط، وضع الحوثيون النهاية الدرامية لقصة على عبدالله صالح فى اليمن، التى ستكون بداية لمسلسل أشد غموضا، فالطريقة التى جرى بها اعدامه وسحله (فى 4 ديسمبر) تؤكد التشفى ليس فى الرجل فحسب، بل فى مجتمع بكامله.

وإذا كان هذا المجتمع مسلحا بطبعه وتلعب فيه القبيلة دورا بارزا، سوف تكون المأساة مضاعفة، وكأن هناك من يريد إذلال الزعامات العربية عمدا، وبصرف النظر عن اتفاقنا أم اختلافنا، فالطريقة التى ألقى القبض بها على الرئيس العراقى الأسبق صدام حسين، ثم محاكمته واعدامه، مهينة ولم تبارح ذهن صالح نفسه، ومع أن الرجل كان صامدا وقويا فى مواجهة تنفيذ حكم الإعدام فى 30 ديسمبر 2006، لكن أتباعه والعرب عموما لن ينسوا مشهد وضعه أمام المقصلة، بعد أن كان يملأ العراق والساحة العربية ضجيجا، ولن ينسوا صور صالح التى تعمد الحوثيون نشرها ليؤكدوا أن طبع الثعبان يغلب تطبعه.

لن ينسى أحد مشهد إعدام وسحل العقيد الليبى معمر القذافى فى 20 أكتوبر 2011، والذى فتح الباب أمام حرب لم تنطفئ جذوتها حتى الآن فى ليبيا، وكأن من دبر عمليات القتل الثلاث جهة واحدة، أو جهات مختلفة تجتمع حول هدف واحد، هو اشعال الفتن وحرمان المنطقة من أى هدوء واستقرار قد تنعم به، وتحويل الأنظار عن بعض الملفات الإقليمية، وشغل العالم بتفاصيل قضايا أخرى بديلة.

الملاحظ أن عاصفة اليمن الجديدة، جاءت وسط ظهور ملامح هدوء فى العراق، تلت القضاء على أسطورة داعش فى الأنبار، وفرملة نتائج الاستفتاء على مصير كردستان العراق، ودخول التسوية السياسية للأزمة السورية مرحلة متقدمة، عقب سيطرة قوات النظام على كثير من مفاصل البلاد، واتجاه قوى إقليمية ودولية للحديث عن انهاء وجود القوات الأجنبية، فى إشارة واضحة إلى إيران وميليشياتها المتباينة، وتواتر الحديث عن ضرورة نأى لبنان، حزب الله تحديدا، عن التدخل فى شئون دول أخري، مثل سوريا والعراق واليمن.

من هنا، اتجهت الاتهامات على الفور إلى إيران التى يطلق عليها البعض «الأفعى الكبيرة» فى المنطقة، ومشاركتها فى التحريض على قتل صالح، ليس بحكم تحالفها الوثيق مع الحوثيين، لكن لأنها أمهر منه فى لعبة الرقص على رءوس الثعابين، وتريد أن تثقل هذا البلد بأزمة داخلية تخطف الأنظار منها، وتخفف الضغوط الواقعة عليها لرفع أياديها عن كل من سوريا والعراق ولبنان.

ربما يكون اليمن نقطة ارتكاز مهمة فى حسابات طهران وثعابينها وجحورهم، لكن صنعاء لا تزال محطة فى طور التكوين، مقارنة بالوجود الإيرانى فى كل من دمشق وبغداد وبيروت، وخطة لفت الانتباه إلى صنعاء بدأت مع إطلاق الحوثيين صاروخا باليستيا نحو الرياض الشهر الماضي، وتكرار التجربة مع أبوظبى قبل أيام.

ولم تكن الطريقة التى تمت بها تصفية على صالح بعيدة عن منهج تكثيف الأضواء على صنعاء، بغرض ابعادها عن العواصم الثلاث الأخري، والإيحاء بأن سموم الأفعى الأم لن يتم ابطال مفعولها بسهولة.

البيئة الداخلية فى اليمن بالطبع مهيأة لتقبل هذا السيناريو، وإذا أضيفت لها البيئة الإقليمية، حيث قوات التحالف العربي، بقيادة السعودية، تحارب هناك منذ ثلاث سنوات لدعم الشرعية، سوف تزداد الأوضاع سخونة وارتباكا.

صيحة الاستنفار التى أطلقها الرئيس اليمنى هادى منصور عبدربه، المدعوم من التحالف، تجاه قوات الجيش للزحف نحو صنعاء، بداية لمواجهة محتدمة، تتداخل فيها أوراق محلية وإقليمية ودولية عديدة، يمكن أن تضع نهاية سريعة للحوثيين أو تمنحهم نفوذا فوق نفوذ.

قيادة الحوثيين رأت أن التخلص من على صالح ربما يفت فى عضد قواته ويؤدى إلى تحلل بعض العناصر التى وفرت دعما له، وقد تسعى قوى أخري، من إخوان وقاعدة وسلفيين وقبائل، للإمساك بزمام المبادرة لخلط الأوراق، وكلها عوامل تجعل البيئة مناسبة لمزيد من اتساع نفوذ الحوثيين وإيران، الذين يجدون فى الفوضى ملاذا آمنا، قد تمكنهم من توسيع رقعة حضورهم فى شمال اليمن، واعادة تكرار تجربة حزب الله فى جنوب لبنان.

المنهج الذى اختاره على صالح وأودى بحياته، لا يختلف كثيرا عن المنهج الذى يتبناه الحوثيون، ولتفادى تحالف بقايا قوات الجيش مع الحرس الجمهورى واحتمال تنصيب أحمد على عبدالله صالح قائدا لحزب المؤتمر الشعبى وتوطيد العلاقات مع قوى يمنية مؤثرة، سوف تضطر طهران إلى توسيع نطاق الدعم لمن هم خارج نطاق الحوثيين، خاصة من الجماعات الإسلامية المتطرفة التى يعج بها اليمن، وهنا تأكل الأفاعى بعضها.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف