الوطن
سهير جودة
أبوالإرهاب
متى تدرك الدولة أن عدوها الأول هو الجهل؟ فالجهل هو الأب الشرعى للإرهاب، فالإرهاب عرض، والجهل هو المرض، والرحم الذى ينجب التطرف، ثم يشتد عوده، فيصبح إرهاباً، ونحن نعانى من نشاط وباء الجهل، وبالتالى فإن السقوط فى فخ التشدد والتطرف والعنف والدجل أمر حتمى، وطالما بقيت أبواب الجهل مفتوحة على مصراعيها، فسيبقى مصنع التطرف ينتج يومياً آلافاً من النسخ الإرهابية.

الجهل الذى تعانى منه مصر مضاد للعلم، وليس التعليم، نحن فى احتياج إلى العلم والتربية، وليس التعليم والتربية، نحن فى احتياج للمعارف، لأن الواقع شهادات ليس بينها وبين العلم علاقة قرب أو قرابة.

وإذا كان جزء ليس بالقليل من موارد الدولة أصبح حتمياً إنفاقه على تسليح وتدريب القوات التى تخوض حرباً شرسة وصعبة ضد عصابات الإرهاب، وإذا كان هذا الأمر حتمياً فالمعادل له بنفس القيمة يجب أن يكون الإنفاق على العلم، فإعلان الحرب على الجهل يحتاج ثورة حقيقية وفورية وليست خطوات إصلاح وترميم فقط وتخصيص كل ما يمكن من موارد ورؤى وخطط، فالحالة التعليمية فى مصر لا يصلح معها إصلاح من الداخل.

هذه الحرب لا تقف فيها الدولة وحدها، وإنما يجب أن تكون هناك أكثر من جهة وأهمها المثقف المصرى، الذى ينتمى إلى ما استرحنا إلى تسميته منذ عقود طويلة فكر التنوير فى مصر، فهناك الآن ثلاثة أجيال على الأقل ينتمون لاتجاه فكرى يتواكب مع العصر، ولكن عليهم أن يتوقفوا ويواجهوا أنفسهم بحقيقة يهربون منها طيلة الوقت، وهى أن التنوير فى مصر خسر كل معاركه منذ أربعين عاماً على الأقل لصالح خطاب الدجل والتطرف والتفاهة والعشوائية والبلطجة.

المثقف المصرى خسر جميع معاركه، وعليه أن يسأل نفسه لماذا؟ وعليه أن يصل إلى أى إجابة حقيقية، وليست مبررات أو شماعات يعلق عليها أسباب الخسارة والحقيقة أن هذا الخطاب وهذا الفكر وهذا الاتجاه التنويرى رغم سلامته، فإنه ليس له أساس مردود ولم يصمد يوماً ولا تأثير له أو وجود فى الشارع المصرى أمام خطاب التشدد والدجل الدينى والتخلف، بل أحياناً يكون خطاباً مبعثراً أو مكروهاً وعلى الفئة المثقفة أن تدرك هذا الأمر لأنهم فى احتياج لتغيير جذرى فى الأسلوب، حيث إن العقلية الجمعية تنظر إلى هذا الخطاب ليس باعتباره فكراً ضد التطرف والجهل، وإنما باعتباره فكراً موجهاً ويستهدف الأخلاق بمفهوم هذه العقليات.

الحرب على الجهل ليست فقط مهمة الدولة والصفوة المثقفة فيها، وإنما لا بد من وجود قوى للمجتمع المصرى أيضاً من خلال التنظيمات التى تمثلها فى نقابات وجمعيات وجامعات، ولا بد لهذه القوى بالاشتراك مع الدولة أن تقوم بإصدار ما يمكن أن نسميه وثيقة القيم المصرية، تضم مجموعة القيم الملائمة والمطلوبة والنابعة من الشخصية المصرية كما يجب أن تكون وفقاً لتراث قيمها الأصلية وليست الدخيلة التى جرّفت كل صحيح من القيم المصرية.

وأمريكا مثلاً لديها مجموعة القيم الأمريكية، التى قامت عليها، وما زالت قائمة، ويتم البناء عليها وتقييم المواقف على أساسها حتى اللحظة، ومن هنا تأتى أهمية وجود قيم مواكبة للعصر تتوافق عليها القوى المصرية، ويتم البناء عليها والتحرك منها وتقييم الأفعال والأقوال والسلوكيات من خلالها، ففى ظل الارتباك ومرحلة التغييرات الكبرى فى العالم، أصبحنا مثل «ريشة فى هوا»، وبالتالى فحن فى احتياج لمجموعة القيم التى تحدد البوصلة الحضارية لمصر فى العصر الحالى.

العنصر الرابع المهم فى إعلان الحرب على الجهل هو الإعلام بمفهومه الشامل، وإذا كنا فى مرحلة الإعلام فيها موجه بشكل ما، فهذا شىء يمكن قبوله فى مراحل تاريخية لها ظروفها وتحدياتها، وهى مراحل الحروب، ونحن فى هذه المرحلة، والمشكلة ليست فى كونه موجهاً أو غير موجه، ولكن المشكلة فى كيفية الاستفادة منه، والشىء الأهم الذى يفرض عليه كواجب وكدور حقيقى فى هذه التوعية هو المحتوى القادر على إسقاط أفكار العنف والجهل وبحيث لا يكون هذا المحتوى مجرد ممارسات متناثرة عاجزة أو فاشلة تظهر فى المناسبات المؤسفة والأحداث المؤلمة، وغالباً ما تكون أشياء مبتسرة ومهووسة وهستيرية، إنها فقط تصرخ ولا تقول، فهذا المحتوى لا بد أن يتكون من أفكار أو رؤى، ويجب أن يعكس منظومة القيم المصرية والمحتوى الدرامى، فالدراما هى التى تشكل الوجدان، وكذلك الموسيقى والغناء بمحتوى يمتص الطاقات السلبية ويطلق الطاقات الإيجابية فى المجتمع ونحتاج لإعلام وقوى ناعمة بمجموعة من قيم جمال ووعى ورقى، بحيث تطرد الأعمال المتخمة بالرسائل السلبية والانتهازية والبلطجة والتشويه، وبالتالى لا بد أن يكون هناك مناخ دائم يحرض على الوعى والجمال والأخلاق، وهذه النقاط الأربع بالتعبير العسكرى تسمى توجيه عمليات.. أعلنوا الحرب على الجهل، حتى تكون هناك حرب حقيقية على الإرهاب.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف