جمال سلطان
لحساب من أصدر ترامب قراره الخطير ؟!
أعلنت الخارجية الأمريكية أنها وجهت تنبيهات مشددة لسفاراتها حول العالم بتشديد الإجراءات الأمنية ، كما طالبت بتوخي الحذر في تحركات الديبلوماسيين الأمريكيين في عواصم العالم الإسلامي بشكل خاص ، كما حذرت المواطنين الأمريكيين من التواجد في مناطق بعينها في فلسطين أو عواصم عربية ، هذه التوجهات تعني أن الإدارة الأمريكية مدركة تماما أن هذا القرار الخطير يعني تعريض المصالح الأمريكية لخطر حقيقي وكبير ، كما يعرض أرواح المواطنين الأمريكيين والديبلوماسيين الأمريكيين حول العالم لخطر كبير ، أضف لذلك أن العالم كله تقريبا رفض هذا القرار وندد به ، حتى حلفاء أمريكا في حلف الأطلسي ، وعلى رأسهم بريطانيا وفرنسا ، واعتبرته روسيا تهديدا مباشرا للسلام العالمي ، كما نددت به الأمم المتحدة على لسان أمينها العام الذي تكلم للصحافيين بعد ترامب بدقائق قليلة ، استشعارا منه بعظم خطر القرار وتوابعه .
إذا كان الأمر بهذه الأبعاد والمخاطر والتي تمثل خطرا على الولايات المتحدة ومواطنيها وديبلوماسييها ومصالحها ويمثل صداما لها مع المجتمع الدولي بكامله ، فما هو الدافع الأكثر خطورة وأهمية الذي يجعل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يقدم عليه مضحيا بكل ذلك ؟ ما هي الحسابات التي أسس عليها توريط بلاده في هذا التحدي الاعتباطي والمجاني ، ما الذي يفيد أمريكا من قرار نقل سفارتها من تل أبيب إلى القدس ، ما الذي تجنيه الولايات المتحدة من إعلان اعترافها بالقدس عاصمة للدولة "اليهودية" ، هذا أمر خارج حدود العقل السياسي بكل أبعاده .
أقرب التفسيرات أن ترامب يشعر بقرب سقوطه ، وأراد أن يحصن نفسه قدر الإمكان بمجاملة اللوبي اليهودي في أمريكا ، وأيضا هناك إدراك "صهيوني" بأن أيام ترامب في البيت الأبيض معدودة ، وقد تتم مجاكمته بتهمة الخيانة العظمى ، وهذه فرصة تاريخية لا تعوض لكي تقتنص التوقع على القرار الذي رفض التوقيع عليه أربعة رؤساء سابقين للولايات المتحدة ، استشعارا منهم أنه يمثل خطرا على مصالح بلادهم في العالم ، حتى وإن كان قد حصل على تمرير الكونجرس في حسابات انتخابية داخلية ، العالم لا يهمه تلك الحسابات ، والحسابات الدولية هي الأهم ، وهي التي يقدرها ساكن البيت الأبيض وإدارته ، عندما ينظر إلى المصالح العليا لبلاده في الشئون الخارجية ، وهنا ترامب لم ينظر لتلك المصالح ، نظر فقط إلى نفسه ، ومصيره ، ومصالحه ، فكان "صيده" سهلا للوبي اليهودي ولإسرائيل ، بأرخص ثمن ، بل بلا ثمن أصلا .
المراجع الإسلامية في العالم كله ، وفي مقدمتها الأزهر الشريف ، علقت محذرة من أن هذا القرار يدعم الإرهاب ويغذي التطرف ويفتح أبواب الجحيم على العالم ، الغربي قبل الشرقي ، وهو كلام صحيح ولا يحتاج إلى شرح ، كما أن ردود فعل العالم العربي والإسلامي الرسمية المتباينة في قوتها جيدة نسبيا ، ولكنها غير كافية ، لا يوجد دولة إلا واستنكرت القرار وشجبته وطالبت بمواجهته ، هذا جيد ، لكن الأهم الآن الانتقال إلى خطوات عملية ، لأن واشنطن لا تحترم إلا ما يكتب في الواقع وليس في الميكروفونات وصفحات الصحف ، لا بد من التحرك العملي من المؤسسات الدولية العربية والإسلامية ، لاتخاذ مواقف موحدة ، كما ينبغي ـ أخلاقيا ـ أن تتوقف المهاترات بين العواصم العربية وبعضها التي تتخذ الأزمة خنجرا ليضربوا به بعضهم البعض ، الواقعة أخطر من ذلك ، هي تاريخ يصنع الآن وسيحدد مصير المدينة المقدسة ، نحوا خلافاتكم جانبا في هذه المنطقة تحديدا ، واجتمعوا ـ فيها ـ على كلمة سواء ، ومواقف محددة ، سواء بسحب سفراء أو تجميد علاقات أو وقف الشراكات الاقتصادية وغيرها .
أيضا يتوجب على الشعوب أن تتحرك بإيجابية وأن تبدع في هذه المواجهة ، سواء بإطلاق حملات مقاطعة اقتصادية شاملة للمنتجات الأمريكية أو التي تتعامل مع "إسرائيل" أو بالتواصل مع المؤسسات والمنظمات الأهلية والثقافية في العالم كله ، أو بما يتاح من مساحات لإظهار الغضب الشعبي باحتجاجات سلمية .
هذا الأحمق ينبغي أن يدرك أن قراره لن يمر بدون ثمن ، وثمن فادح .