المصريون
جمال سلطان
محاذير في معركتنا ضد التطبيع
أتت انتفاضة القدس لكي تحيي في النفوس والمشاعر معركة الأمة ضد التطبيع ، كما أحيت الغضب ضد الصلف الأمريكي والاستخفاف بمشاعر العرب والمسلمين وتحويلها إلى مجرد لعبة صغيرة في حسابات داخلية ، سواء في أمريكا أو إسرائيل ، وهذا من الهوان الذي وصلت إليه حال الأمة ومدى الاستهانة بقدراتها وإرادتها وغضبها ، كما حركت انتفاضة القدس الشارع العربي والإسلامي من جديد ، والمشاهد التي تنقلها شاشات التليفزيونات من مختلف أنحاء العالم مذهلة بالفعل ، حتى في أفغانستان المكلومة بالانقسام والحرب الأهلية تخرج المظاهرات ، حتى في غوطة دمشق المحررة والمحاصرة من قوات نظام بشار ويموت الأطفال فيها جوعا أو لعدم وجود الدواء ، يخرج أحرارها المحاصرون في مسيرات رمزية نصرة للقدس ، فضلا عن خروج الغضب من أماكن مفاجئة ، مثل الجامعة الأمريكية في القاهرة ، وبيروت الحرة العربية وليست بيروت الضاحية الجنوبية المحتلة من ميليشيات إيران والمتاجرة بقضية فلسطين وبالمقاومة .
الانتفاضة أذابت خلافات عديدة بين العرب والمسلمين ، إنها القضية الوحيدة التي اجتمعوا عليها تقريبا هذا العام ، القضية الفريدة التي وحدتهم ، وأخرجتهم صوتا واحدا وموقفا واحدا ، وهذا ما ينبغي أن يكون دائما ، فهناك من القضايا المصيرية للأمة ما ينبغي أن ننزهها عن أي خلاف ، ولا يليق أن نتخذها سيفا أو رمحا يطعن به بعضنا بعضا ، ومن يفعل ذلك يضر بالقضية بالفعل ، ويضعف الإجماع العربي والإسلامي حولها ، هذه قضية فوق القضايا ، هذه قضية فوق الخلاف ، هذه قضية فوق الانقسام العربي المزمن .
الموقف من التطبيع متباين بطبيعة الحال ، من دولة إلى أخرى ، ومن نظام سياسي إلى آخر ، وهذا ما ينبغي أن يوضع في الاعتبار ، ولا يجوز أن نحقر أي موقف ضد التطبيع ، حتى لو كان ضعيفا ، وإنكار المنكر مشروع حتى بالقلب إن لم يستطع الإنسان أن ينكره بلسانه أو بيده ، ولذلك لم يكن لائقا ولا منصفا ولا إيجابيا أن يسخر بعضهم من "انتفاضة التويتر أو الفيسبوك" ، فمن عجز عن النزول إلى الشارع فلن يعجز عن أن يسجل موقفه في صفحته أو في تعليقه ، المهم أن يسجل موقفه ، أن يشارك ، ولا يكلف الله نفسا إلا وسعها ، المهم أن يكون الرأي واحدا ، والرفض واحدا ، والقول واحدا ، والضمير واحدا ، فإذا كنا عاجزين ـ عمليا ـ عن تحرير القدس في تلك الأيام والأزمان ، فلا نكون عاجزين عن إبقاء قضيتها حية ، وأن ندافع عنها ونحاصر العدو في كل مكان وكل منبر وكل ساحة تعبير وكل منصة دولية أو إقليمية .
أيضا ، لا ينبغي أن نقع أسرى لتسريبات الإعلام الصهيوني ، الذي لا يترك فرصة يومية إلا ويشيع أن هذه الدولة تتواصل معنا ، وذلك النظام يتعاون معنا ، وتلك الحكومة تنسق معنا ، وهي حالة غريبة ، كأنها تستدعي "الفضيحة" ، وهذا جيد للغاية ، وتعني أن "الكيان" نفسه يدرك أن التطبيع عار وفضيحة يتهرب الجميع من أن يوصم به ، هذا مكسب كبير حتى الآن للمعركة ضد التطبيع ، لكن من الواضح أن "الكيان" يستخدم تلك التسريبات من أجل إضعاف روح المقاومة للتطبيع لدى الشعوب ، وإشعارها بأنه لا داعي للمقاومة ، ولا معنى للمقاطعة ، فالجميع معنا من تحت الطاولة ، وقد يكون في بعض ما يقولونه صحة ، لكن أغلبه ـ بالتأكيد ـ أكاذيب واختلاقات لضرب الروح المعنوية ، وضرب العرب بعضهم ببعض .
حتى من يلعب مع الصهاينة من تحت الطاولة ، أو في الغرف المظلمة ، دعوه هناك ، ولا تشجعوه على الإعلان بذلك ، فمن مصلحة المعركة ضد التطبيع أن نشجع كل نفي وأن ننفي أي تهمة بلا دليل قطعي أو إعلان رسمي ، وهو غير موجود ، باستثناء مصر والأردن ، لا يصح أن يكون فرحنا بإثبات التطبيع أكبر من فرحنا بنفيه أو إنكاره ، هذا خطير ، ومراهقة سياسية ، أو توظيف غير عاقل وربما غير نبيل للمقاومة في صراعات سياسية ليست قضية فلسطين طرفا فيها ، لا يصح أن يكون الاتهام بالتطبيع حالة تراشق وسباب بين الدول أو بين الشعوب ، هذا يضر بقضية القدس ويضر بمعركتنا ضد التطبيع .
مقاومة التطبيع ، والنضال من أجل القدس وفلسطين ينبغي أن يتجاوز مراحل المراهقة السياسية ، والعواطف المجردة وقليلة الخبرة ، إلى مرحلة النضج السياسي والقدرة على التمييز والصبر وطول البال وطول النفس ، فأنجح المعارك هي تلك التي تمتزج فيها العاطفة الصادقة مع العقل الناضج مع الضمير الحي دائما .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف