اختلطت الأوراق في الشرق الأوسط. إثر اعتراف ترامب الرئيس الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل في غفلة من الزمن. إذ اندلع العنف في المنطقة احتجاجًا علي هذا القرار الأحادي الذي لا يخدم السلام. وكان يتعين أن يكون تدخل الولايات المتحدة لحل النزاع وفق القانون الدولي. علي أن يتم تحديد وضع المدينة المقدسة خلال مفاوضات بين الإسرائيليين والفلسطينيين. خصوصاً أن "حل الدولتين" بات الأمثل لإنهاء الصراع الذي اندلع منذ عشرات السنين. وتالياً فإن هذا القرار لا يعدو أن يكون حبراً علي ورق ويبعد أمريكا أكثر ما يقربها عن الدول العربية والإسلامية عموماً. او أن يكون لها دور فاعل في ملف المفاوضات بين الجانبين خصوصاً في ظل صدور هذا القرار المفاجئ الذي قد يزيد الحروب في المنطقة ولن يؤدي إلي التهدئة بأي حال.
وإذا كان ترامب قد تسرع لاتخاذ "القرار الصعب" بعد 22 عاماً من صدوره تعاقب خلال هذه الفترة ثلاثة رؤساء للبيت الأبيض. بداية من الرئيس الأسبق بيل كلينتون. والذي اعتمد في عهده الكونجرس قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس. وبعدها جورج بوش وباراك أوباما الذين أصدروا قرارات بتأجيل تنفيذ القرار لمدة 6 شهور بشكل متعاقب. حتي جاء دونالد ترامب. وأصدر هذا القرار في الوقت الخطأ حيث يعاني الشرق الأوسط من إرهاب لا يرحم. وذلك نتيجة تعرضه لضغوط غير مسبوقة أولها من الحزب الجمهوري الذي ينتمي إليه. إذ يضم مجموعة كبيرة من المتشددين الذين يشكلون ضغطًا عليه. بعد أن تدنت شعبيته إلي 35%. فضلاً عن محاولته الهروب من مشكلاته المحلية. وتقليل الضغط من الجماعات الصهيونية. والأهم من ذلك انشغال الدول العربية بالحرب علي الإرهاب خصوصاً في سوريا واليمن والعراق وليبيا والتي تحولت فيها إلي حرب أهلية.
ومصر التي قدمت 120 ألف شهيد دفاعاً عن القضية الفلسطينية لايمكن أن يزايد أحد علي موقفها. خصوصاً الرئيس عبدالفتاح السيسي. الذي قضي عمره مرتدياً الزي العسكري في صفوف القوات المسلحة دفاعاً عن قضايا وطنه. حتي عندما أصبح رئيساً لا يزال يقود الشعب في معركة لا تقل خطورة وهي الحرب علي إرهاب منظم خسيس ينفذه أكبر تنظيم إرهابي في العالم وهو الإخوان وتدعمه دول ومخابرات عالمية لتقسيم المنطقة بالكامل. وهو ما شجع ترامب علي إتخاذ هذا القرار الصدمة في وقت كان ينتظر الجميع الإعلان عن خطة أمريكية لاطلاق مفاوضات في الشرق الأوسط من أجل التوصل إلي "حل الدولتين" فلسطينية وإسرائيلية. ليجئ هذا القرار الأمريكي ليعيد المنطقة إلي نقطة الصفر. ويفقد الكثيرون الثقة في الإدارة الأمريكية التي لم تكمل عامها الأول في البيت الأبيض.
وأقول لكم. إن مصر لايمكن أن تغير مواقفها الثابتة طوال مئات بل اّلاف السنين من القضايا القومية. وأن محاولات بعض المزايدين علي حب الوطن من عملاء الجماعات الإرهابية. المدعومين من قطر وتركيا الزج باسمها متهمين إياها بالتخلي عن القضية الفلسطينية لا أساس له من الصحة. خصوصاً أن مصر تخوض حرباً لا تتوقف منذ ست سنوات من أجل الدفاع عن وحدتها وإفشال محاولات إسقاطها من أجل تقسيمها. ورغم ذلك لم تتأخر لحظة واحدة عن تلبية واجبهاپلتوحيد الفلسطينيين من أجل التوصل إلي حل عادل لقضيتهم. والسؤال الاّن هل يتعين أن تدافع مصر وحدها عن هذه القضية رغم ظروفها الصعبة في وقت تواجه حرباً تمولها دولة عربية؟. لابد أن يشعر هؤلاء المزايدون بما يمر به وطنهم في حال كانوا جادين في التوصل إلي حل للنزاع ولا يحملون بلدهم أكثر مما تطيق. وعليهم أن يستوعبوا ما يحاك ضد وطنهم من مؤامرات لا تتوقف لضرب استقراره.