جمال سلطان
القمة الإسلامية ..القدس ليست وحدها
لم يكن أحد ينتظر من مؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي الذي انعقد في اسطنبول اليوم أن تعلن الحرب على الكيان الصهيوني أو تعلن الحرب على الولايات المتحدة بسبب قرار رئيسها الضائع نقل سفارة بلاده للقدس والاعتراف بها عاصمة للكيان ، وإنما عقدت القمة من أجل رسالة سياسية إلى العالم كله ، وإلى "إسرائيل" وإلى واشنطن ، بأن القدس ليست حدها ، والمقدسيين ليسوا وحدهم ، والفلسطينيين ليسوا وحدهم ، وأن قادة وممثلي أكثر من خمسين دولة في العالم يجتمعون اليوم غضبا من أجل القدس ، ورفضا للقرار الأحمق الذي وقعه ترامب ويجعل من القدس الشريف عاصمة للكيان الغاصب ، رغم أن أحدا في العالم كله لم يوافقه على هذا القرار ، فكأنه تصرف في ملكه الخاص ، أو تنازل عن أرض أمريكية .
كنت أتمنى أن يكون كل القادة العرب والمسلمين حاضرين في المؤتمر ، ولكن الأجواء السياسية المحتقنة والخلافات في المنطقة حالت دون حضور بعضهم ، لا بأس ، لكنهم لم يقرروا المقاطعة وشاركوا بوفود منخفضة التمثيل ، وهذا حد أدنى من المشاركة ، حتى تكون رسالة المؤتمر واضحة وقوية وجماعية أمام العالم ، فضية القدس فوق أي خلاف ، وفوق أي انقسامات عربية أو إسلامية ، والجميع متفق على رفض القرار الأمريكي وإدانته ومطالبة ترامب بالتراجع عنه .
قرارات القمة الإسلامية أتت في الإطار المتوقع ، وهو إدانة القرار بصورة حاسمة وقاطعة ، ومطالبة الإدارة الأمريكية بالتراجع عنه ، ثم الأهم وهو قرار الدول الخمسين الحاضر الاعتراف بدولة فلسطين والاعتراف بالقدس الشرقية عاصمة للدولة ، ونقل الملف بعد ذلك إلى مجلس الأمن والأمم المتحدة للوصول إلى قبول فلسطين دولة كاملة العضوية ، هذه خطوة موفقة ، وكانت المملكة العربية السعودية قد نادت بها من قبل ، أيام الملك فهد بن عبد العزيز طيب الله ثراه ، وها هو مؤتمر اسطنبول يحيي الدعوة ويحولها إلى واقع فعلي مستثمرا موجة الغضب المشروع من القرار الأمريكي .
أيضا ، من الخطوات العملية التي خرج بها المؤتمر هو التأكيد على التزام الدول الأعضاء كافة بتوفير الدعم المادي وغير المادي المتواصل للشعب الفلسطيني وخاصة أهل القدس من أجل مساعدتهم على الصمود في أرضهم وحماية مقدساتهم ومدينتهم ، وذكر بشكل خاص وكالة بيت مال القدس الشريف ، وأرجو أن تكون هناك لجنة خاصة بمتابعة هذا البند تحديدا وتحويله إلى برامج عمل مجدولة بمسئوليات محددة على كل دولة ، لأنه متعلق بالحياة اليومية لأهلنا في القدس وفي فلسطين المحتلة .
البيان وجه نداء إلى دول العالم بعدم الاستجابة للخطوة الأمريكية والامتناع عن أي إجراء يمكن أن يهدد طبيعة القدس الشريف ، أو يهدد مسيرة السلام في المنطقة ، أيضا كان مهما حديث أروغان عن أن القمة الإسلامية ستبحث عن وسيط دولي جديد لعملية السلام بعد أن فقدت الولايات المتحدة صفتها كوسيط بعد القرار الجائر الذي اتخذته .
لم يبد في وقائع المؤتمر ولا أعماله أي نزعة من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لتوظيفه سياسيا من أجل مصالح شخصية ، والحقيقة أن زعامة أردوغان داخل بلاده وخارجها الآن لا تحتاج إلى أن يوظف قضية مقدسة كهذه ، هو ليس مضطرا لذلك الآن ولا محتاجا له ، وفي الكلمات التي قيلت كان الرئيس الفلسطيني ـ وليس أردوغان ـ أكثر من أخذ مساحة للكلام ، رغم أنه لم يقدم شيئا مفيدا ، وأعتقد أن هذه القمة لو دعا إليها أي بلد إسلامي آخر لاستجاب أردوغان للدعوة وشارك كضيف وممثل لبلاده ، فلا داعي لتصوير الأمر كما لو كان الرئيس التركي أقام هذا المؤتمر من أجل شخصه ، هذا ـ في الحقيقة ـ هراء ، والشكر واجب لتركيا على مبادرتها الطيبة بالدعوة لهذا المؤتمر على عجل وبترتيبات سريعة تناسب خطورة الحدث ، كما تشكر ـ بالدرجة نفسها ـ كل الدول التي شاركت فيه وقدرت المسئولية التاريخية .