المصريون
طه خليفة
الاستسلام لـ ترامب سيكون مكلفاً جداً
القرار الذي وقعه الرئيس الأمريكي ترامب بالاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، ونقل سفارة بلاده إليها لا يجب التهوين من شأنه حتى وإن لم يجد تأييداً عالمياً، ولا من عاصمة واحدة حتى الآن، وضمن الرافضين له أقرب حلفائه في أوروبا الذين يشتركون مع بلاده في تقديم الدعم المطلق للكيان الصهيوني.
ما فعله ترامب أنه يقوم بتفعيل للقرار الذي أصدره الكونجرس عام 1995 بهذا الشأن، وخطورته أنه اعتراف أمريكي نهائي من المؤسسة التنفيذية بعد التشريعية بأن القدس المحتلة شرقية وغربية هي قدس واحدة، وأنها تخضع للسيادة الإسرائيلية الكاملة، وأنها عاصمة أبدية لإسرائيل، هذا مضمون قانون الكونجرس، وهو ترجمة كاملة وحرفية لقرارات إسرائيلية، وبالتالي لا تكون حتى القدس الشرقية التي رضي الفلسطينون والعرب بها هي العاصمة المستقبلية لدولتهم، ويصيرون داخل مدينتهم التاريخية مجرد أقلية قومية ودينية يُعاملون بشكل أدنى كثيراً من مواطني إسرائيل، وتخضع المقدسات الإسلامية والمسيحية للسيطرة الإسرائيلية، ويتحول الأقصى إلى مجرد مسجد للصلاة، وتدريجياً ومع الحفريات والتهويد يصبح كأن لم يكن بالانهيار أو بالحرق مجدداً على غرار ما جرى عام 1969 أو بالهدم المباشر، فمن يفرط من العرب مرة ويسكت يسهل عليه التفريط مرات، ويلوذ بالصمت أيضاً، ولا يكون له اعتبار ولا هيبة ولا قيمة عند من يفرض سلطته على أرضه ومقدساته، والعرب الرسميون لهم تاريخ مخجل في هذا المجال.
الخطورة الأخرى للقرار أنه في قادم الأيام لو حدث فتور فلسطيني عربي إسلامي عن مواجهته لإسقاطه أو جعل ترامب يندم عليه أو يجمده فقد ينفرط خيط عواصم الرفض وتبدأ في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل وتنقل سفارتها من تل أبيب إليها تباعاً، وتكون الكارثة اكتملت، ومنذ يومين استفاد الرئيس التشيكي الداعم لإسرائيل من هذه الأجواء وخرج يعنف الاتحاد الأوروبي على رفضه القرار الأمريكي ويصف دول الاتحاد بأنهم جبناء يخضعون للإرهاب الفلسطيني! - حسب زعمه -، وهذا الرئيس مؤيد لنقل سفارة بلاده إلى القدس لكن البرلمان يتصدى له، ومن يضمن ألا ينجح في تمرير قراره بدعم أمريكي ذلك أن واشنطن التي تقف وحيدة ومعزلة في جريمتها ستكون بحاجة إلى مساندين لها ومن المؤكد أنها ستضغط على الحكام والعواصم الرخوة لدفعهم إلى السير في ركابها لتكسر عزلتها وتقول إن هناك اقتناعاً دولياً بدأ يظهر ويدعم قرارها وهذا سيضعف كثيراً الموقف العربي والإسلامي مالم يستغل الزخم العالمي الحالي المندد بانتهاك واشنطن للقانون الدولي والقرارات الأممية لبناء موقف صلب يصعب اختراقه، ثم هل يتصور أحد أن إسرائيل صامتة الآن، هي تتحرك وتمارس الضغوط بمختلف الوسائل على عواصم عديدة لجعلها تحذو حذو حليفها الأمريكي حتى تخرج من عزلتها أيضاً وتلغي أثر المقاطعة الدبلوماسية الدولية للقدس المحتلة وتفرض واقعاً نهائياً يصعب تغييره.
لا يجب أن نستهين بشيء مهما كان، ولا يجب أن يفتر الحماس، أو نستسلم للأمر الواقع الذي تحاول واشنطن في ظل ترامب والمحيطين به وبينهم صهاينة أن تفرضه، صدر وعد بلفور في 2 نوفمبر عام 1917، ولم يكن هناك مسعى عربي إسلامي لجعل بريطانيا تعيد النظر فيه، وبعد ثلاثة عقود من العمل الدائب للحركة الصهيونية العالمية على الأرض في فلسطين الخاضعة للانتداب البريطاني آنذاك، وخلال تجوالها بين عواصم العالم تحول الوعد إلى دولة اشتد عودها وصارت كياناً قوياً تقف 22 دولة عربية تحيط به غير قادرة على مواجهته، ومالم نستفد من أخطاء الماضي فإن قرار 6 نوفمبر 2017 قد يصير بعد عدة أعوام قراراً عاماً تتبناه عواصم كثيرة، فإذا كنا عرباً ومسلمين سنتعرض لهزيمة أخرى في قضية وجودية مثل القدس، ولا نكون مستعدين للدفاع عنها وعن أنفسنا مرة أخرى فهل يأتي غيرنا ليخوض معاركنا نيابة عنا؟، وهل يلتزم الأجنبي بما لا يستطيع صاحب البيت نفسه الالتزام به ومقاومته وإسقاطه؟.
في سنوات سابقة كانت كثير من عواصم دول الجنوب في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية تتعاطف مع العرب وتتفاعل بشكل لافت مع القضية الفلسطينية ولا تقيم أي علاقات مع إسرائيل، لكن مع التنازلات العربية المتتالية، والتقارب العلني والسري المفضوح معها، وخصوصا هذه الفترة، ومع تراجع فلسطين في أجندة الاهتمامات العربية، فإن ذلك وغيره جعل تلك العواصم تقرر الذهاب لإسرائيل، والارتماء في أحضانها بدل الحضن العربي الذي لم يعد قائماً، فهل ننتظر أن يكون الغرباء ملكيين أكثر من حكام العرب التي صارت تل أبيب بالنسبة لبعضهم اليوم باباً يطرقونه دون حياء أو خجل ليفتح لهم على واشنطن لنيل الرضا الأمريكي عنهم، ومن أسوأ إدارة دخلت البيت الأبيض، وهي كما لو كانت تتعمد إهانة حلفائها وكسرهم أمام شعوبهم والعالم؟.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف