الأهرام
جمال زهران
القدس عاصمة فلسطين رغم الغطرسة الأمريكية
لم يبرح عام 2017م، وهو الذكرى المئوية لوعد بلفور الذى صدر فى نوفمبر 1917م، إلا أن يصدر قرار جديد من رئيس الولايات المتحدة الأمريكية (ترامب)، باعتبار أن القدس عاصمة دولة إسرائيل، وأنه قرر نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب (العاصمة الحالية)، إلى القدس (العاصمة الجديدة)، كمحاولة لخلق واقع جديد على الأرض لدعم الكيان الصهيوني، ويؤكد حقيقة هى أن «من لا يملك يعطى لمن لا يستحق» مثلما حدث من مائة عام بصدور وعد بلفور!! القرار صدر كاشفًا غطرسة ممارسة القوة، لدولة كبرى يكاد نفوذها يتراجع فى المنطقة العربية والشرق الأوسط،. فالمستقر فى العلاقات الدولية أن للقوة سقفًا فى الاستخدام، ورشادة القرار فى الدولة أن يُدرك ذلك. ومن ثم فإن تم تجاوز سقف القوة عند الاستخدام «الصلبة أو الناعمة» فالمؤكد أن تداعيات ذلك هو الفشل الأكيد، وذلك من واقع حقائق التاريخ ووقائعه، ولنتذكر الحرب الأمريكية على فيتنام، وكذلك الغزو الأمريكى للعراق فى 2003م. ومن ثم فإن قرار ترامب هو تجاوز لسقف استخدام القوة، وفشله مؤكد.

وما يمكن قوله فى هذا الصدد عدد من الأمور هي:

(1) أن قرارًا ما، يصدر من دولة كبرى، يتعارض مع الشرعية الدولية المستقرة، ليس هو نهاية المطاف، ويستحيل ترجمته إلى واقع فعلى وسط الرفض الدولى والإقليمى والعربي، خاصة على المستوى الشعبى قبل الرسمي. وليكن فى مناقشة الأمر فى مجلس الأمن، أن وجدت أمريكا منعزلة عن الآخرين ووحدها فقط، بينما (14) دولة أخرى عضو ــ من بينها مصر ــ كانت فى الجانب الرافض لهذا القرار، الأمر الذى يؤكد أن فشل القرار أمر حتمي.

(2) أن الشرعية الحقيقية تكمن فى أن إسرائيل هى تجسيد حقيقى للاستعمار الغربى ووريثته الولايات المتحدة، ومن ثم فهى تمثل وجودًا استعماريًا فى المنطقة، هو إلى زوال مثلما حدث فى جنوب إفريقيا حيث أزاح الشعب بتضامن العالم كله، الأقلية البيضاء الحاكمة والمستعمرة لهذا الإقليم. والقول الحق فى هذا الصدد أن فلسطين هى الدولة وعاصمتها القدس، وليس العكس. فالوجود الافتراضى لدولة تسمى إسرائيل، يتم السعى الحثيث لتمكينها من الوجود الحقيقى بتسمية القدس عاصمة لها.

(3) أن أمريكا فى عهد ترامب، قد فقدت مصداقيتها بهذا القرار السافر المنحاز إلى طرف مغتصب للأرض ومواردها، وطارد لشعبها الأصلي، عندما أصرت على رعاية عملية السلام وحدها، ولذلك لم تعد أمريكا منفردة صالحة لرعاية عملية السلام بين أطراف الصراع العربى الإسرائيلى.

(4) أن الدور المحورى فى إفشال هذا القرار، يقع على الفلسطينيين أنفسهم أولاً، ثم كل الدوائر بعد ذلك. ولعل فى «انتفاضة القدس والسيادة» فور إعلان ترامب للقرار، خير تأكيد وعى الفلسطينيين القادرين على تغيير معادلات القوة فى الأرض، واستنزاف العدو الصهيونى حتى السقوط والانهيار وهو حادث وحتمي.

(6) أن الدول العربية مطالبة ليس بإصدار البيانات الرافضة فحسب، وهذا مهم، ولكن كثيرًا منها لم ولن يحرك شيئًا. ولذلك فإن المطلوب الآن إعلان موقف واضح وهو: «أن عملية السلام متوقفة حتى رجوع ترامب عن قراره». كما أن المطلب التالى هو: توسيع الرعاة بإدخال الصين وروسيا رعاة جددا، أو اعتبار الخمس الدائمين هم الرعاة، أو أن تكون المباحثات تحت رعاية الأمم المتحدة.

(7) أن التصعيد فى المواقف مهم للغاية فى مواجهة الغطرسة الأمريكية، وهنا لابد من إعطاء القوى السياسية حرية الحركة، ووقف التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومقاطعة المنتجات الأمريكية، وهذا ما يؤلم أمريكا وتجعل شعبها ينقض على الرئيس ويجبره على التراجع.

وهنا فإننا نقدر موقف شيخ الأزهر، والبابا، فى رفض مقابلة نائب الرئيس الأمريكي، بل والدعوة إلى المقاطعة للمنتجات الأمريكية.

وأخيرًا، لا خير سوى فى سلام عادل يحرر كل فلسطين ويطرد الكيان الصهيوني، وهو ما نعتقد فى أن المقاومة هى آلية الحل النهائى حتى تحرير فلسطين بالكامل وعاصمتها القدس بلا شريك.


تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف