الخطوة السياسية الجديدة التي أعلنتها سبعة أحزاب مصرية أول أمس ، بتأسيس ما أسمته "الحركة المدنية الديمقراطية" كجبهة معارضة أساسية للنظام السياسي الحالي ، ولسياسات الرئيس عبد الفتاح السيسي ، هي خطوة مهمة بالفعل ، ولا ينبغي التقليل من شأنها باعتبار أنها ولدت في أجواء لا تساعد على خلق مناخ سياسي حقيقي أو معتدل ، وهو ما أشارت إليه الحركة نفسها في بيانها ، عندما قال المتحدث باسمها يحيى حسين : الحركة ستعمل في ظل قبضة حديدية يفرضها النظام على المجال العام ، ولكنه أشار أنه رغم كل تلك الصعوبات إلا أن الحركة هدفها الأساس هو : السعي لوقف النزيف الذي تشهده مصر في كل المجالات، وتقديم حلول ربما تستفيد منها أي سلطة جديدة تستلم البلاد بطريقة ديمقراطية من نظام السيسي .
الجبهة تشكلت من سبعة أحزاب مدنية ، هي أحزاب الإصلاح والتنمية، والتحالف الشعبي الاشتراكي، والدستور،، والعدل، والمصري الديمقراطي الاجتماعي، وتيار الكرامة، ومصر الحرية، وأهم من كيانات الأحزاب ـ في تقديري ـ هي الشخصيات العامة التي انضمت للحركة ، مثل الدكتور عبد الجليل مصطفى والدكتور أحمد البرعي وجورج اسحاق وحمدين صباحي والمستشار هشام جنينه والدكتور عمار علي حسن والسفير معصوم مرزوق ، وهي كلها أسماء لها احترامها ومكانتها في الحركة الوطنية المصرية ، وهو ما يعطي نوعا من "الحصانة السياسية" للحركة الجديدة ، وقوة دفع أمام منظومة أمنية وقانونية متحفزة وعدوانية تجاه أي حراك سياسي في الوقت الراهن .
يحيى حسين، المتحدث باسم الحركة المدنية الديمقراطية قال إن الحركة تمثل تطورا لما تم بناؤه في الفترة الماضية، لتوسيع جبهة العمل المشترك بين الأحزاب من أجل إرساء قواعد الدولة المدنية المنتهكة، خاصة الدستور المنتهك والمهان من قبل النظام الحالي.
وأضاف : قبل الحديث عن انتخابات الرئاسة أو عن دعم مرشح بعينه، تسعى الحركة لوضع الدستور موضع التطبيق بما يتضمنه من شروط وضمانات لنزاهة الانتخابات.
وحسب البيان التأسيسي للحركة يقول : «مصر تعاني حالياً من تدهورٍ اقتصادىٍ حادٍ مع غيابٍ شبه تام للعدالة الاجتماعية، نتج عنه تدهورٍ شديدٍ في الأوضاع المعيشية لمعظم الأسر المصرية، ونَهَمٍ للاستدانة يصاحبه إهدار استفِزازي للموارد المحدودة بما يُعَّرِض استقلال القرار الوطني للخطر، واستمرارٍ للإرهاب الأسود دون أن يبدو في الأفق أي منهجٍ علمي لمواجهته خارج الحلول الأمنية ، فضلاً عن تحويل حالة الطوارئ إلى حالة دائمة تصاحبها ظواهر مُفزعةٌ كالاختفاء القسري والتعذيب، وانتهاك حقوق الإنسان الأساسية في الصحة والتعليم والمعاملة الكريمة وحرية التعبير، وفساد في ظل غياب تام للشفافية، وضربٍ بعرض الحائط بمبدأ الفصل بين السلطات، وصولاً إلى التفريط فى الأرض والحدود البحرية المصرية والحقوق التاريخية في مياه النيل، وغير ذلك مما يضيق الوقت والمساحة بِسَرده.. والذي ما هو إلا نتيجة للحكم الفردي المطلق الذي لا يُرَاقَبُ ولا يُحَاسَبُ ويستهين بالدستور الذي هو أساس شرعية أي حُكم .
وفي البيان التأسيسي كان هناك تركيز واضح على الأوجاع التي تعاني منها الحركة الوطنية المصرية مؤخرا ، وخاصة اتساع نطاق حبس المعارضين والتنكيل بهم وبأسرهم ، فأكد على «ضرورة العمل على إزالة أسباب الاحتقان والتعصب وكراهية الآخر فى المجتمع، والتصدي لخطاب السلطة الإعلامي الذي يشوه كل من يختلف معها، والإفراج الفوري عن كل مسجوني الرأي والتظاهر السلمي وتعديل قوانين الحبس الاحتياطي والتظاهر، وتحقيق العدالة الناجزة، مع احترام وتطبيق النص الدستوري الخاص بالعدالة الانتقالية، والمواجهة الشاملة للإرهِاب والمحرضين عليه أمنياً وفكرياً، بحيث يشارك فيها الشعب عبْر فتح المجال العام بما يسمح للأحزاب المدنية والنقابات ومنظمات المجتمع المدني بأن تكون طرفاً فاعِلاً في تلك المواجهة ، حسب نص البيان .
نحن إذن أمام خطوة مهمة وجادة وغير مسبوقة في مصر منذ بيان 3 يوليو 2013 الذي أسس للنظام الحالي ، والحركة الجديدة باختصار تقول أن مصر لن تفوض أحدا أو مؤسسة أو جهة كائنا من كان أو كانت في إدارة شئون مصر بمختلف أبعادها ، وأن مصر دولة مدنية ، وهي إشارة موحية لا تحتاج إلى شروح كثيرة ، كما أن الخطوة الجديدة تمثل تحديا سياسيا للنظام الحالي ، الذي لم يتعود على "اللعب السياسي" ، فكل ألعابه إما في المهرجانات التليفزيونية أو في أقسام الشرطة أو السجون أو قاعات المحاكم ، التحدي الجديد قد يجبره على أن "يلعب سياسة" وهو غير مؤهل لها بطبيعة الحال ، وصحيح أن الحركة السياسية الجديدة لا تمثل تحديا وجوديا للنظام ، فهي لا تمثل بديلا حقيقيا لمنظومة أمنية وعسكرية وقانونية محكمة ، ولكنه بمثابة وضع حجر الأساس لعودة النشاط السياسي إلى مصر بصورة تدريجية ، والحقيقة أن هذه الخطوة هي لصالح مصر الوطن والدولة والشعب ، فهي خطيرة جدا عملية تجريف الحياة السياسية وتفريغ المجتمع من النشاط السياسي السلمي ، هذا يغري حركات العنف والإرهاب للتمدد واستنزاف الوطن واستقطاب المزيد من الكوادر الغاضبة ، ولذلك أتمنى أن تكون هناك سعة صدر وحكمة من قبل النظام في التعامل مع الخطوة الجديدة ، كما أتمنى أن تكون الخطوة محفزا لقوى وطنية أخرى على صناعة "جبهات" سياسية جيدة وصلبة يمكنها أن تنقذ مصر من هذا الجفاف السياسي الخطير الذي يهدد مستقبلها وأمنها القومي في صميمه .