الأخبار
رجائى عطية
مدارات هذه ساعة للعمل.. لا للبكاء !

لا شك أن »جلد الذات»‬ رد فعل طبيعي للحظة الفارقة المؤلمة التي نحن فيها، وهوعمومًا لا يخلومن فائدة، لأنه يدفع لمراجعة النفس، ومراجعة النفس واجبة لأن الأخطاء العربية تراكبت منذ ما قبل سنة 1948، ولا بأس من البكاء علي ما كان وما هوكائن،
ما دام البكاء وجلد الذات يستنفران الهمم والعزائم، ويدفعان خطوات العرب بعامة علي الطريق الفاعل الصحيح .
الحقائق واضحة
هناك حقائق لسنا بحاجة لتكرار إبدائها، لأنفسنا وللعالم، بما فيهم إسرائيل والولايات المتحدة التي آل أمرها إلي أن تكون هي »‬ ربيبة إسرائيل » !!
لا أحد في العالم لا يعرف أن القدس وفلسطين برمتها، أرض عربية لوطن عربي جري تواطؤ إسرائيلي غربي علي استلابه، وقتل وطرد أبنائه وتحويلهم إلي شتات في أنحاء الأرض .
ولا أحد لا يعرف ما دار ويدور منذ وعد بلفور المشئوم سنة 1917، إلي قرار »‬ ترامب » الجهول الطائش في ديسمبر الجاري ! .
ولا أحد لا يعرف أن القرار الأخير الجهول الطائش قد أعطي ـ كوعد بلفور المشئوم ـ ممن لا يملك، إلي من لا يستحق !
لا أحد لا يعرف أن مبادئ وأحكام القانون الدولي الذي ارتضته الجماعة الدولية ـ لا تقر، بل تحرّم، ضم أراضي الدول بالحرب والاحتلال !
والخلاصة، حتي لا أطيل في هذا الشق، أن العالم كله يعرف، بغض النظر عن مواقفه، مع التحية الواجبة للاتحاد الأوروبي ومن جري مجراه من الدول، يعرف أن إسرائيل وربيبتها الولايات المتحدة ليستا علي حق، وإنما في قاع الباطل الجهول المتغطرس، وأن فلسطين والأمة العربية والإسلامية علي كامل الحق الذي ينبغي أن تقف إلي جواره الشرعية الدولية .
ما العمل ؟!
من الحقائق أيضًا أنه يسود العالم ـ للأسف ـ منطق القوة، وأن الغطرسة الإسرائيلية الأمريكية لا تعرف إلاَّ القوة، وأنهما تتوسلان بها لفرض إرادتهما والباطل الذي يتبنياه، علي فلسطين والعرب والمسلمين والجماعة الدولية .
فماذا نفعل ؟!
هذا حقيقةً هوالسؤال !
من أجل ذلك قلت إنها ساعة للعمل لا للبكاء !
بوصلة الطريق
لولا هشاشة الموقف العربي، والسلبيات التي أصابته بفعل التواطؤ الإسرأمريكي وأعوانه، وبسوء التقدير في الداخل العربي، وخطأ كثير من قراراته، حتي أن المال العربي تحوّل من مركز قوة وضغط، إلي »‬ رهينة » في بنوك وشركات الغرب بعامة والولايات المتحدة بخاصة، وصارت الرهينة في قبضة الولايات المتحدة بالقوانين التي كانت وراء إصدارها لفرض سيطرة البنوك علي الودائع بذريعة مراقبة غسل الأموال، ثم بالقانون الذي أصدرته لملاحقة المملكة العربية السعودية بالتعويضات عن أفعال ارتكبها أشخاص ولا شأن للملكة العربية الإسلامية بها !
ومن يسترجع خطاب »‬ بن جوريون » أول رئيس لإسرائيل، يري كيف أنه وَعَدَ بالاستيلاء علي أراضي العرب، لا بذكائهم ولكن بغباء من حولهم، وأن الخطة تكمن في تصدير الفشل والإخفاق والضعف إلي العرب، ببث عوامل ودوافع الفُرقة الدينية والطائفية والمذهبية والعرقية بين الدول العربية وفي مقدمتها مصر والعراق وسوريا، وإثارة الحروب فيما بين العرب، وقد للأسف نجحت المخططات الخبيثة في تحقيق هذا المأرب !
أجهضوا العراق ودمروها بدعاوي كاذبة لشن الحرب عليها وتدميرها!!
وهم وراء ما يسمي بالربيع العربي الذي دمّر ليبيا وتونس واليمن ، ويطيح بسوريا ، ويبذل كل مستطاعه لحصار مصر وإخراجها من الساحة ، يشغلها بالإرهاب المدعوم بالمال والسلاح ، وبمشاكلها الاقتصادية ، وبمحاولات حصارها المائي ، والدعم الخارجي والغربي لسد النهضة لإعدام أسباب الحياة في مصر .
وهم يحاولون الآن تفريغ الموقف الدولي الذي احتشد ضدهم ، ويحاولون خداع العرب بصلح فارغ من أي مضمون ، ويزعم ترامب أن إسرائيل هي واحة الديمقراطية، متواصلاً مع خطابه الانتخابي ووعوده الانتخابية وفخره بأنه سيكون جدًّا لحفيد يهودي من زوج ابنته ، ولا يري ولا يريد أن يري المذابح الجارية للفلسطينيين علي أرضهم في الماضي والحاضر ، وتضيق المساحة عن ذكر عناوينها، ويتجاهل التمييز العنصري والاضطهاد الجاري في إسرائيل في حق المسلمين والمسيحيين لسلب كافة حقوقهم ، وإجازة سرقة أراضيهم والاستيلاء عليها ، وتزعم إدارته بلا خجل ولا حياء، أن وضع القدس النهائي متروك للمفاوضات، مستخفة بالعقول أن يَخِيلَ عليها أن إسرائيل سوف تدخل في مفاوضات عن القدس ، بينما مكنها القرار الجهول من إحكام قبضتها علي القدس ـ وبالتهجير القسري وتواصل المذابح ـ حتي سارعت فور القرار الغشوم ـ برفع أعلامها بالقدس الشرقية وبجوار المسجد الأقصي .
من أجل ذلك وغيره مما تضيق المساحة عن بيانه ، كانت هذه الساعة ساعة عمل لا بكاء !
الداخل العربي يحتاج كثيرًا لاجتياز هشاشته التي جعلت العرب وأراضيهم ومقدساتهم مطمعًا لعصابات دموية عنصرية قادمة من شتات الأرض !
وأنت تستطيع أن تهتدي لخارطة الطريق من تتبع أسباب الهشاشة ومعطياتها التي ألمحنا لبعضها ، بتجفيفها وعلاجها وتحويلها بسياسة مريدة وفاعلة ـ إلي قوة إيجابية مؤثرة .
سمعت خطابًا لأجنبي، إلي مجموعة حوله من العرب، يذكرهم بأن أوروبا تتكلم أكثر من مئة لغة، والعرب يتكلمون لغة واحدة، فضلاً عن باقي الأصول القومية، ومع ذلك نجحت أوروبا علي تنوعاتها العميقة في إنشاء الاتحاد الأوروبي ليكون قوة مؤثرة في سياسات العالم، مثلما أقامت مع الولايات المتحدة حلف شمال الأطلنطي ليكون لهم درعًا وسيفًا !!
وفي المقابل أخفق العرب في التوحد بلغتهم الواحدة، وأصولهم، وثرواتهم، ومركزهم في وسط العالم، وانشغلوا بخلافات مذهبية لا معني ولا مردود لها، فتفرقوا وتصارعوا وصارت جامعتهم للدول العربية بلا مخالب، لأنها محكومة بسياسات حكومات تعارضت وتناقضت واختلفت وتصارعت .
فإذا كانت الوحدة العربية، في الظروف السلبية الراهنة، سرابًا، فإن توحد الصف العربي يدخل في دائرة الممكن المتاح، بيد أنه لن يتحقق إلاَّ بإزالة وعلاج أسباب الفُرقة والتشرذم والصراعات التي ضربت في أرجاء البلدان العربية !
الاعتماد علي التأييد الدولي، اعتمادا وقتياً، لأنه إنْ لم يلاق حشْدًا عربيًّا إسلاميًّا ومسيحيًّا فاعلاً ومؤثرًا، سرعان ما سوف يتلاشي مع الأيام!
خارطة
أعلم أن حل المشاكل العربية المتراكمة المتراكبة يحتاج وقتًا مع توفر الحكمة وخلاص النية مع العزم والإرادة والهمّة ..
بينما الوضع الراهن لا يحتمل أي إبطاء ..
وقد يكون في الاتصالات والتوافقات الثنائية أوالثلاثية ما يحقق ـ كما تفعل مصر ـ قدرًا من المقاومة والمواجهة والإنجاز حتي لا تموت القضية انتظارًا لانبلاج الفجر !لا ينبغي ترك رئيس الولايات المتحدة وما يريده، فهناك قوي أمريكية متعددة، فيها من يناهض سياساته الخرقاء، ويجب التواصل والتحاور معها لتفعيل دورها والتناغم معها .
ويجب التواصل وتكثيف الاتصالات العربية مع كافة الأطراف الدولية، لبيان مخاطر هدم الشرعية الدولية وآثارها المدمّرة علي المجتمع الدولي، وبيان توابع هذا القرار الرئاسي الأمريكي الأخرق، ليس فقط علي القدس وهي قبلة لمسلمي ومسيحيي العالم، وإنما علي السلام في المنطقة التي سوف تشتعل مهما كانت الحيَل والمخاتلات أوالمذابح التي ترتكبها إسرائيل في الأراضي المقدسة، وأن السلام العالمي لن ينج من تداعيات انهيار السلام واندلاع المواجهات والانتفاضات والقتال، وأن هذه قضية عالمية بجانب كونها قضية عربية إسلامية مسيحية !
وظني أن العالم ليس في احتياج حقيقي لمعرفة مبادئ وأحكام القانون الدولي، والمواثيق الدولية والقرارات المتتابعة الصادرة ـ إنصافًا للحق الفلسطيني ـ من مجلس الأمن والجمعية العامة للأمم المتحدة، وإنما يحتاج بالتأكيد إلي تذكير بالأثر المدمّر لإهدار هذه المبادئ ـ علي السياسة الدولية وحقوق الأوطان والشعوب، والسلام العالمي !
ولا جدوي من الانخداع بحديث السلام مع هذه الممارسات، ولا مع الاستيطان الذي تتوسع فيه إسرائيل دون أن يردها أحد، ناهيك بما تتلقاه من تأييد أمريكي من وراء ومن أمام الكواليس !
ويتعين التزام سياسات تكفل التلاقي والتعاون والتساند ، بين العرب وبين المسلمين في بقاع الأرض ، وتوضح للعالم المسيحي مخاطر هيمنة إسرائيل علي القدس وابتلاعها ، والشاهد واضح أمامهم بما يعانيه المسيحيون داخل إسرائيل من تمييز وعنصرية واضطهاد وتعديات علي حقوقهم !
لن يستطيع العالم أن يرد إسرائيل عن غيّها الذي تدمر به العالم ، ما لم تنتشل الولايات المتحدة نفسها من هيمنة الإسرائيليين عليها ، والاستغلال المغرض للضعف الذي يلاقيه الرئيس الأمريكي لأسباب داخلية يطول شرحها ، وما لم يتحرك المجتمع العالمي بقوة وبتناغم مع كل القوي المحبة للحق والسلام لوقف هذه المهزلة المأساويّة !
هذه محض ومضات أوإشارات . والحديث يطول بما فيه من شجون ، وما نرجوه من آمال .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف