المصرى اليوم
عباس الطرابيلى
قبل أن تقرروا تصدير الغاز
جاء اكتشاف الغاز، فى حقل ظهر، ليبعد حالة القلق الرهيبة، عندما تحولت مصر من دولة مصدرة لزيت البترول والغاز الطبيعى إلى دولة مستوردة للاثنين معاً.. وكان إنتاج مصر من الزيت يقارب المليون برميل كل يوم.. وشجعتنا اكتشافات الغاز على مد شبكات لتوصيله إلى البيوت.. بل إلى التصدير، سواء إلى أوروبا أو إلى إسرائيل والأردن وغزة.

وفجأة تحولنا إلى دولة مستوردة.. سواء للاستهلاك المنزلى أو الصناعى.. أو لتوليد الكهرباء.. وأصبحنا تحت رحمة المنتجين والمصدرين، من الجزائر غرباً إلى دول الخليج شرقاً، ولولا وقفة الأشقاء - فى السعودية والإمارات - لتوقفت الحياة الصناعية.. ولأظلمت بيوتنا وشوارعنا، سواء بشحن الغاز إلينا.. أو بسداد ثمن بعض ما نستورده منهما.. ونشكرهم بكل حب.

وجاءت اكتشافات الغاز فى حقلى ظهر وأتون لترد لنا الروح.. ونلتقط أنفاسنا.. وربما الدولة أكثر سعادة منا، لأن فى هذا الغاز إنقاذاً لما يمكن إنقاذه من الاقتصاد الوطنى.. وإذا كانت الدولة - كحكومة - تحلم ببدء الإنتاج لكى تبدأ مرحلة التصدير، سعياً وراء ثمن هذا الغاز لإنعاش الخزانة المصرية، والحد من استنزاف أموالنا فى استيراده.. فإن الأمة كلها لها رأى آخر فى حكاية تصدير هذا الغاز.

ورغم أن حقل ظهر وحده يحوى - حتى الآن - 30 تريليون قدم مكعب.. ويضع مصر فى المرتبة السابعة «عالمياً» فى إنتاج الغاز.. ورغم أن هناك شواهد عديدة تنبئ بوجود خزانات عميقة للغاز حول حقل ظهر ترفع بذلك أرقام الإنتاج كثيراً فإننى «أتمنى» بل «أطلب» أن نفكر كثيراً فى حكاية تصدير الغاز من جديد.. مهما كانت الاحتياجات المالية «الحالية» ومهما كانت مغريات وعائدات هذا التصدير.

وإذا كان من حق الشريك الأجنبى «وهو شركة إينى» أن تقوم بتصدير حصتها فى هذا الامتياز.. فلا ننسى أن مصر - فى فترة القحط الغازى كانت تشترى حصة الشريك الأجنبى من الغازات المصرية، فى السنوات الأخيرة، وتدفع فيها بل تقترض لدفع ثمنها وكان السبب: اندفاع مصر وبسرعة فى حكاية تصدير الغاز - سابقاً - وبالذات إلى إسرائيل، ولا يزعجنا هنا ما يقال عن قضايا رفعتها إسرائيل تطالب بتعويضها عن توقف تصديرنا الغاز «القديم» إليها.. وأيضاً يجب أن نفكر كثيراً، حتى فى حكاية تصدير الغاز «الجديد» إلى الأردن.. وأيضاً لتشغيل محطات كهرباء غزة.. فما يحتاجه البيت يحرم على الجامع.. ولا تنسوا هنا سنوات وشهور القحط الغازى.. وكيف توقفت مصانعنا فى بحرى والصعيد.. أو كيف عاش شعبنا.. فى ظلام دامس!!

نعم.. مصر تحتاج إلى «حقن جلوكوز» حتى يقوى الجسد المصرى على الصمود.. وهذا الجلوكوز عبارة عن ثمن أو عائدات التصدير المرتقب.. وما أشد حاجة الخزانة العامة إليه وإلى عائداته.. ولكن الأهم أمران: نصيب الأجيال القادمة من هذا الغاز، وهو حق يجب أن نحفظه لها، وأقامت الدول البترولية - حولنا - صناديق لحفظ حقوق هذه الأجيال من شعوبها.. ثم حسن إدارة هذا الغاز.. مهما كانت مغريات وحجم الاحتياطى فى هذا الحقل أو فى حقل أتون، أو غيرهما من حقول المنطقة التى تشير إلى وجود احتياطى عظيم يصل إلى 30 تريليون قدم مكعب، لتصبح مصر مالكة لواحد من أكبر حقول الغاز فى العالم كله، وتلك بشرة خير طيبة.

■ وكم أتمنى ألا يتسرع المهندس طارق الملا، وهو من وزراء البترول الممتازين، والذى يمتلك رؤية قومية كبرى.. وأكررها «ألا يتسرع» ولو تحت ضغط الحكومة وفى مقدمتها وزير المالية.. ورئيس الحكومة شريف إسماعيل، شفاه الله وعافاه، وهو وزير بترول ممتاز سابق.. وأن يغلب الوزير الملا شعوره القومى «المستقبلى» وألا يتسرع فى اتخاذ قرار تصدير الغاز.. مهما كانت الضغوط.

■ أقول ذلك وأنا أعلم أن «نغمة التصدير» تتصاعد كلما جاء الحديث عن حقل ظهر بل إن هناك من يعلنها أننا يمكن أن نصدر شرارة تصدير الغاز فى عام 2020 تقريباً.. أى بعد أن يصل معدل الإنتاج إلى ما يغطى احتياجات السوق المحلية.. وهنا يجب الحذر.

■ وأعلم أن سوق الغاز يتحرك فيها الآن «غيلان» كبار المنتجين، وأن مصر ربما تتطلع إلى عضوية منظمة الأوبك حتى وإن كانت تُدعى أحياناً إلى اجتماعات غير عادية داخل المنظمة بمقرها الشهير على نهر دوناو، أى الدانوب.

لقد بدأت مصر تلتقط أنفاسها بترولياً.. فلماذا نتسرع فى حكاية التصدير؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف