د . خالد عباس
مواجهة لا استسلام ولا تسليم
ينظر الكثير منا إلى ما حدث من اعتراف ترامب بالقدس عاصمة لإسرائيل بالحزن والغضب، ولكن يلزم علينا أن نستغل هذا الحزن والغضب لنحوله إلى أفعال على الأرض، نرضى بها ضمائرنا من خلال إستراتيجية متكاملة لمواجهة هذا العدو الصهيونى الغاشم وحليفته أمريكا. وفى هذا السياق يلزم علينا أن نوضح أن الإستراتيجية المقترحة في هذ المقال ليست موجهة إلى من يتبع الديانة اليهودية ولا إلى الشعب الأمريكى، ولكنها موجهة إلى الكيان الصهيونى بكل مكوناته، وكذلك إلى حكومة أمريكا ومن يدعمها في هذا الملف.
إن أي إستراتيجية يجب أولا أن يكون لها أهداف محددة وواضحة ومحاور للعمل لتحقيق هذه الأهداف من خلال أليات متعددة (سياسات – إجراءات – مبادرات - أدوات) على المدى القصير والمتوسط والطويل. وأتطرق هنا لتحديد الأهداف والتي يمكن أن نختلف أو نتفق عليها كالتالى:
أولا: الرد المناسب والمتناسب والسريع لكل ما يقوم به الكيان الصهيونى وحليفته الولايات المتحدة.. ثانيا: الاستعداد المستمر والمتواصل للمواجهة الشاملة والأتية لا محالة.. ثالثا: تفعيل المواجهة الشاملة بكل مكوناتها.. يلى تحديد الأهداف تحديد محاور العمل والتي يمكن أن تتضمن المحور السياسي– المحور القانونى- المحور الاقتصادى– المحور الاجتماعى والثقافى– المحور الإعلامى– المحور التعليمى- المحور الدينى– المحور العسكري.
ونبدأ بالمحور السياسي، والذي يعتمد على قيام الدول العربية والإسلامية بنبذ الخلافات الآنية وتوحيد الخطاب السياسي في هذا الملف خاصة، والاتفاق على رفض قرار ترامب بخصوص القدس وكافة الآثار المترتبة، وكذلك قطع العلاقات الدبلوماسية مع الكيان الصهيونى والولايات المتحدة، والبدء والاستمرار في حشد رأى عام دولى بعدم عدالة هذا القرار وتحيزه وتسببه في الكثير من الظلم والأسى على الفلسطينيين والشعوب العربية والإسلامية.
كما يمكن من خلال المحور القانونى البدء في مقاضاة ترامب بشخصه وصفته، ومقاضاة الحكومة الأمريكية عن الآثار المترتبة من هذا القرار والمطالبة بتعويضات، وذلك من خلال الحكومات العربية والإسلامية والمجتمع المدنى والأفراد في سائر البلدان العربية والإسلامية، ليجد ترامب نفسه هو والحكومة الأمريكية والكيان الصهيونى محاصرين بالملايين من القضايا المرفوعة عليهم، في العديد من محاكم العالم، ولاسيما قضية منع المصلين من أداء الصلاة، والعنف والقتل والأسر تجاههم.
أما المحور الاقتصادى فيتضمن تضافر جهود المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص والأفراد لمقاطعة المنتجات الأمريكية ووقف التبادل التجارى لأجل غير مسمى، والتوجه لبناء اقتصاديات منتجة ومصدرة في العالم العربى والإسلامى، مع الاستفادة من تجربة الدول الناجحة مثل سنغافورة وكوريا وجنوب أفريقيا، ومحاربة الفساد واستخدام وإنتاج التكنولوجيا وتوحيد العملة، ودعم الدول الإسلامية ذات الاقتصاديات القوية لتلك الضعيفة، وإيجاد الاتحاد العربى والإسلامى بما يشمله من تحرير حركة نقل الركاب والبضائع من خلال إصلاحات وتسهيلات جمركية وتسهيلات في إجراءات الجوازات ومعاملات اجتياز الحدود بين البلدان العربية والإسلامية.
أما بالنسبة للمحور الاجتماعى والثقافى فيلزم اصطفاف المجتمع وتوعيته من خلال المؤتمرات الشعبية والندوات الثقافية وجلسات الحوار والمعارض، مع استصدار الكتب والوثائق والمجلدات والمنشورات التاريخية عن فلسطين والقدس وتوزيعها على كل البيوت في العالم العربى والإسلامى والعالم الخارجى بعدة لغات، مع استخدام وتفعيل كافة وسائل التواصل الاجتماعى لإبراز الظلم الواقع وعدالة ونزاهة قضيتنا.
ثم يأتى المحور الإعلامي باستحداث برامج وحلقات حوارية مستمرة عن القدس وشراء محطات تليفزيونية عالمية أو المشاركة فيها ومخاطبة الضمير العربى والاسلامى والعالمى.
يأتى بعد ذلك المحور التعليمى باستحداث دروس في كافة المناهج تشرح تاريخ القدس وتنظيم المسابقات والأنشطة والمعارض المدرسية ليتنافس الطلاب بمدى معرفتهم وثقافتهم وحماسهم بهذه القضية، ثم نأتى إلى الخطاب الدينى من خلال المساجد والكنائس لغرز الوعى الدينى بأهمية القدس وأهمية تحريرها والزود عنها بالغالى والنفيس.
وأخيرا وليس آخرا يأتى المحور العسكري بإعداد وتجهيز وتسليح وتدريب الجيوش العربية والإسلامية ووضعها دائما على أهبة الاستعداد، ويلزم تطوير صناعة السلاح بكافة أشكاله وإتاحة الفرصة لكافة الفئات العمرية من الشعوب للتدريب القتالى فيجب أن نكون أمة تحمل السلاح كما يفعل الكيان الصهيونى بل وأكثر.
وفى الختام دعونا نستحضر آيات من القرآن: "وَأَعِدُّوا لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُون"..
والآية الثانية: "يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ".
أن ما قدمته هو الملامح الأساسية للإستراتيجية المتكاملة والتي يقع تنفيذها بالأساس على كافة الحكومات والمؤسسات والمجتمع المدنى بالدول العربية والإسلامية، وبخاصة دول المواجهة بقيادة مصرنا الحبيبة. فليختر كل منا كيف يمكنه المساهمة والاصطفاف في تحقيق هذه الإستراتيجية في الإطار القانونى السليم للدول التي نعيش فيها ونتمى إليها.