بينما كانت الإدارة الأمريكية تتخبط بين تصريح وزير خارجيتها «ريكس تليرسون» أن بلاده مستعدة للتفاوض مع كوريا الشمالية من دون شروط مسبقة بشأن سلاحها النووى، وبين تصريح مناقض جاء رداً عليه لناطق باسم مجلس الأمن القومى يقول، «إن الوقت ليس مناسباً الآن لإجراء مفاوضات بين الجانبين كان الزعيم الكورى الشمالى «كيم جونج أون» يتعهد بتطوير مزيد من الأسلحة لتعزيز قوة بلاده النووية لتصبح أقوى قوة نووية وعسكرية فى العالم لتحقيق النصر «فى المواجهة مع الإمبرياليين ومع الولايات المتحدة».
وجاء هذا التعهد بعد أيام من إطلاق بلاده صاروخاً باليستياً وصفه الزعيم الكورى بأن مداه يطول المدن الأمريكية. ولا معنى لأن تراوح إدارة ترامب بين وضع شروط لإجراء أى حوار مع بيونج يانج يكون هدفه نزع سلاحها النووى، وبين إبداء رغبتها فى إجراء الحوار دون شروط، سوى أن العالم لا يحترم سوى الأقوياء.
تطلعت مع كثيرين غيرى، أن تنجح قمة منظمة التعاون الإسلامى فى إسطنبول فى إدراك القاعدة التى تؤكدها تجربة كوريا الشمالية: أن العالم لا يحترم سوى الأقوياء، وهى تعقد اجتماعها الاستثنائى لبحث الخطوات المشتركة للرد على قرار ترامب باعتبار مدينة القدس عاصمة لإسرائيل، فخاب ظنى.
فمع اللحظة الأولى لانعقادها بدا واضحاً تدنى مستوى المشاركة فى أعمالها. فمن بين 57 دولة إسلامية تضمها منظمة التعاون الإسلامى، لم يشارك فى القمة التى دعا إليها الرئيس التركى أردوغان، سوى 16 ملكاً وأميراً ورئيساً، بينما تم تمثيل بقية الدول على مستوى رؤساء وزراء ووزراء خارجية ونواب وزراء خارجية. وكان من المفهوم أن تغيب قادة دول مصر والسعودية والبحرين ودولة الإمارات، ينطوى من جانب على فهم للهدف الانتهازى لأردوغان من عقد القمة طمعاً فى تعزيز مكانته الداخلية لبسط هيمنته الشاملة على الدولة بالمتاجرة بقضية القدس، والاعتراض على التحالف التركى- القطرى الذى يشجع ويمول العمل على زعزعة استقرار دولهم من جانب آخر.
حين أنهى مؤتمر إسطنبول أعماله بعد ساعات قليلة من بدايته، بقراءة بيانه الختامى، رحت أبحث فيه عن المقترحات العملية التى ساقها الرئيس الفلسطينى «أبومازن» فى خطابه مثل إنهاء دور الولايات المتحدة كوسيط للسلام، وإحالة القضية الفلسطينية برمتها إلى مجلس الأمن الدولى، واتخاذ إجراءات عقابية ضد إسرائيل لإجبارها على الانصياع لقرارات الشرعية وإنهاء احتلالها لإقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشرقية طبقاً لمبادرة السلام العربية 2002، والتوجه نحو الحصول على العضوية الكاملة لفلسطين فى مجلس الأمن، ومطالبة الدول بمراجعة اعترافها بإسرائيل لخرقها الدائم لقواعد القانون الدولى، وحث مجلس حقوق الإنسان على معاقبتها لانتهاكها اتفاقيات جنيف التى تحمى المواطنين تحت سلطة الاحتلال، كل هذه الاقتراحات العملية غابت عن البيان الإنشائي الختامى للمؤتمر الذى دعا الرئيس الأمريكى إلى التراجع عن قراره، دون أن أعرف أو يعرف غيرى ما هو القياس الذى استند إليه المؤتمرون، أن واشنطن سبق لها العدول عن أى قرار بشأن إسرائيل!
أدرت مؤشر الريموت كنترول أبحث عما يعيننى على خيبة أملى، فظهرت أمامى فى قناتى الفضائية المفضلة «ماسبيرو زمان» حلقة من «ساعة لقلبك» أحد أشهر البرامج الفكاهية الإذاعية المفعمة بالخيال والمرح وخفة الظل، حيث استمعت بسعادة غامرة لحوار بين الفشار أبولمعة «محمد أحمد المصرى»، وبين الخواجة بيجو «فؤاد راتب» يروى فيه الأول للثانى، أنه كقائد حربى كبير أعلن الحرب على برج الجدى، وأنه أرسل إخطاراً على يد محضر للجدى، يقول فيه: عزيزى الجدى، سأفاجئكم اليوم بالحرب، التوقيع أبولمعة الأصلى، وبينما الخواجة بيجو يصرخ متعجباً من فرط الخيال، مردداً جملته الشهيرة: يا اخواتى.. يا النفوخ بتاع الأنا، كان الضحك من أعماق القلب قد انتشلنى من ساعتين من محفل كلامى إنشائي مخادع فى اسطنبول، يشيع ضجيجاً ولا يثمر طحناً!