الأهرام
عزت السعدنى
عندما دخلت مدينة القدس قبل الأسر اليهودى لأجلك يا مدينة..الصلاة أصلى ..
ما يحدث الآن أيها السادة.. وما يجرى أمام أعين الدنيا كلها.. من شرور وآثام وبحر آلام وأوجاع.. وكر وفر بين جيش أحمق خطاه..وأطفال حجارة وإرادة..خضر العود..موردو الخدود..ورصاصات غدر إسرائيلية..تحصد أرواحهم أمام أعين الدنيا كلها..وترسل الموت والجراح لصدور شباب فى عمر الزهور أو فى زهرة العمر.. وأنهار من الدم والهم تغرق البيت الفلسطينى الذى أصبح لا حول له ولا قوة أمام آلة البطش الإسرائيلية المتغطرسة.. بمباركة أمريكية.. واعتراف أمريكى صريح ليس هذا وقته ولا هذا زمانه بخط يد وبلسان عمنا ترامب الرئيس الأمريكى الذى ارتدى فى آخر الزمان وفى غابر الأوان رداء رعاة البقر.





ركب ترامب حصانه الجامح.. ليمنح إسرائيل المغتصبة للأرض والدار والقرار والتاريخ.. أرضا ليست أرضها.. وحقا ليس من حقها.. لتتحقق تلك المقولة الشهيرة: »من لا يملك أعطى من لا يستحق».. التى أطلقها جمال عبد الناصر عندما كان يقف أيامها بصدره ومعه كل مصر والناس فى مصر.. فى مواجهة الاستعمار وأعوان الاستعمار..

أعطى ترامب لإسرائيل الباغية المعتدية المغتصبة معظم أراضى دولة فلسطين العربية أو ما بقى منها.. وفوقها تحية منه فى آخر الزمان: مدينة القدس العربية أقدس وأقدم وأطهر مدن الأرض.. مدينة الصلاة والركوع والسجود.. مدينة المسجد والكنيسة والمعبد.. المسجد هو المسجد الأقصى الذى بارك الله من حوله.. والذى أسرى بعبده سبحانه ليلا ـ وعبده هنا تعنى سيد الخلق أجمعين سيدنا محمد رسول الإسلام والسلام.. وكتابه القرآن ـ من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله..

ومعها «بيت لحم» مهد السيد المسيح الوجيه فى الدنيا والآخرة وأمه مريم أطهر نساء الخلق أجمعين.. ومعها كنيسة القيامة ولم ينس معها قبور وأضرحة ومسارات وأماكن عبادات وصلوات أنبياء الله من أيام سيدنا نوح عليه السلام.. حتى نهاية عصر الأنبياء والرسل..

أسمعكم تسألون أنتم: لماذا كل هذا الهم والغم والكرب العظيم فوق رأس الأمة العربية التى أصبحت فى آخر الزمان بلا حول وبلا قوة؟..

ألا يكفينا ما تفعله بنا تلك الجماعات الإرهابية من أول جماعة »بن لادن«.. إلى جماعة الدولة الإسلامية التى اسمها »داعش«.. إلى جماعة النصرة.. إلى جماعة بيت المقدس.. وعشرات الأسماء للجماعات الإرهابية التى عاثت ومازالت تعيث فى بلادنا فسادا وإرهابا وقتلا وموتا وإثما وتشريدا باسم الدين.

وهذه الجماعات آخر خطاياها ذبح وقتل المصلين فى مسجد الروضة فى سيناء.. وهم ركعا سجدا بين يدى الله..

وهذه الجماعات تدربت وتعلمت القتل وسفك الدماء برعاية أمريكية ـ إسرائيلية وبسلاح أمريكى وتحت مظلة الـ سى آى ايه.. ومن عنده كلام آخر.. فليتفضل!

يعنى إرهاب+ تمزيق دول+ قتل شعوب بالكامل+ اعداد خريطة جديدة لتقسيم العالم العربى ملحقة بخريطة «سايكس بيكو» التى قسمت العالم العربى من قبل.. يعنى النسخة العصرية منها + هدية من الرئيس الأمريكى لإسرائيل على طبق من ذهب لا من فضة هذه المرة.. هو اعتراف أمريكى صريح مريح بالقدس العربية عاصمة لإسرائيل.. وكمان نقل السفارة الأمريكية إليها.. خلص الكلام؟

<<<

ـ لا.. الكلام لم ينته بعد..

أسمعكم تتهامسون أو تصيحون.. لا فرق.. أسمعكم تقولون صياحا أو همسا: يا سيدى جسد الأمة العربية كله الآن جراح ودم يسيل وثوبها أصبح مهلهلا مليئا بالرقع والبقع والثقوب.. وكما قال العزيز رفيق الدرب والطريق: عبد المحسن سلامة فى مقاله الاسبوعى على صفحات الأهرام يوم الأحد الماضي:

<< جاء اعلان ترامب نقل السفارة الأمريكية إلى القدس مشهدا ختاميا للعملية العبثية التى تعيشها المنطقة العربية منذ سبع سنوات

ـ إزاي؟.. أسأل أنا..

الجواب للزميل العزيز: البداية كانت من الفلسطينيين أنفسهم حينما انقسموا على أنفسهم.. فريق فى غزة وآخر فى الضفة فى ظل الاحتلال الذى يسيطر على الأرض ويهين العرض!

إلى جانب اليمن ـ الذى كان فى غابر الأيام سعيدا.. والذى أصبح نزيفا فى جسد العرب.. حتى جاع أطفاله الذين تيتموا.. وضربت أمراض الدنيا وأوبئة الزمان شعبا أعزل مغلوبا على أمره..

ولم يكتفوا بذلك بل قتلوا غدرا رئيسه السابق على عبد الله صالح الذى كان شريكهم فى يوم من الأيام فى الحكم والجملة الأخيرة لى أنا!

نفس الصورة التى حدثت فى اليمن.. حدثت فى ليبيا الغنية بالنفط والموبوءة بفصائل الإرهابيين من كل لون وكل ملَّة.. وفى سوريا الفيحاء التى تحولت إلى أطلال وذكريات وقصائد شعر لصديقنا وعمنا نزار قبانى ومن قبله أمير الشعراء أحمد شوقى عندما قال: سلام من صبى بردى أرق.. ودمع لا يكفكف يا دمشق.. التى كنا نحفظها فى أولى ثانوي!

الإرهابيون يقتلون ويدمرون وتحركهم أصابع المخابرات الأجنبية وتمولهم حكومات ودول ارتضت لنفسها فى آخر الزمان.. أن تقوم بدور «والى عكا» الذى لا ينسى فى فيلم: »الناصر صلاح الدين»: وهو دور حقيقى وتاريخى كما قال العزيز عبد المحسن سلامة: فى هذا الجو الخانق الملبد بالغيوم والظنون.. خرج عمنا ترامب وألقى قنبلته فى وجه العرب.. ويا لها من قنبلة!

<<<

آن لنا أيها السادة أن نفيق من غفوتنا التى طالت ولا نريد لها أن تطول أكثر من ذلك.. ونحن نملك أوراقا يمكننا أن نلعب بها ونلقى بها فوق طاولة الأحداث.. وأوراقنا هي:

(1) الجيش المصرى أقوى جيش فى المنطقة.. وسادس جيش على مستوى جيوش العالم كله + أن تتوحد كلمة العرب فى مواجهة المخططات المريبة وأن يكون لنا رأى واحد كلنا نقوله..وكلنا نعمل به فى كل أزمة تمر بنا..وأن ننسى خلافاتنا وأن تتوحد الجبهة الفلسطينية فى الضفة وغزة..

(2) أن لدى العرب استثمارات عربية هائلة فى أمريكا.. وأنه قد آن الآوان لمراجعة هذه الاستثمارات الضخمة بما يلقى بالأرباح فى سلة العرب وليس فى سلة الغرب!

وهى ورقة رابحة لو أحسنا استغلالها واللعب بها فى المكان المناسب والتوقيت المناسب!

(3) على حماس والسلطة الفلسطينية أن ينسى زعماؤهما خلافاتهم وأن تتوحد كلمتهم فى مواجهة الانحياز الأمريكى الكامل للجانب الإسرائيلى فى كل شيء..

حتى لا نخرج نحن العرب دائما من المولد بلا حمص كما يقولون وتكسب إسرائيل فى النهاية بمساندة أمريكا لها طول الوقت.. وآخرها ذلك القرار العنترى المفاجئ للرئيس الأمريكي!

(4) لماذا لا نجرب سلاح مقاطعة البضائع الأمريكية الذى سوف يلحق بالاقتصاد الأمريكى ضربة قاصمة لو أحسنا استغلاله!

<<<

دعونا نجلس تحت ظلال كرمة عنب فى مدينة القدس التى زرتها عام 1964 عبر الأردن قبل عدوان 1967 الذى وضع الضفة الغربية وسيناء وكل المقدسات الإسلامية والمسيحية فى مدينة القدس الشريف بين أيدى ظالمة متغطرسة نشوانة بانكسار العرب.. حتى استرددنا كرامتنا فى أكتوبر 1973.

أقول تعالوا نجلس إلى ظلال كرمة عنب ولتكن فى بيت القاضى الذى زرته من قبل فى مدينة القدس الشريف لو سمح لنا المغتصبون بدخولها الآن.. لنقرأ معا صفحات أعظم الكتب التى كتبت عن القدس لصاحبه المؤرخ العظيم عارف باشا العارف ـ وهذا هو اسمه ـ الذى عاش عمره كله فى القدس ومات بها ودفن فى ترابها عام 1945.. وعنوانه: تاريخ القدس..

ماذا يقول لنا عمنا وتاج إنها المؤرخ عارف العارف؟

هو يقول:

ليس بمستغرب ان يفكر المسلمون فى فتح بيت المقدس، وهو البيت الذى ورد ذكره فى قرآنهم، وعلى لسان نبيهم، وفى أحاديث صحابتهم وأئمتهم وأعلامهم. ولقد كانوا مدفوعين لهذا الفتح بعوامل عدة: منها ما هو دينى ومنها ما هو اقتصادي، وإن شئُت فقل ما هو حربى واستراتيجي.

فقد أسرى الله بالنبى المصطفى عليه الصلاة والسلام من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصي، وفى ذلك نزلت الآية الكريمة:

»سبحان الذى أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذى باركنا حوله«... وما كان النبى ليسرى إلى هذا البلد الأمين لولا أنه كان يعلم علم اليقين أنه عرق الجزيرة النابض وقلبها الخفاق، وأنه لا حياة للعرب فى جزيرتهم إذا لم تكن تخومها الشمالية محمية، ولم يكن هذا البلد فى حوزتهم، وهذا فى نظري، هو سر الإسراء.

وقد ورد فى الحديث الشريف: لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد: المسجد الحرام، ومسجدى هذا، والمسجد الأقصي.

وروى عن الإمام على بن أبى طالب أنه قال: وسط الأرضين أرض بيت المقدس.. وأرفع الأرض كلها إلى السماء بيت المقدس.

وعن أبى هريرة أنه قال: من مات فى بيت المقدس، فكأنما مات فى السماء.

وعن أبى هريرة، أيضا أن نبى الاسلام قال: أربع مدائن من الجنة، مكة، والمدينة، ودمشق، وبيت المقدس.

وقد أرسل عمر بن الخطاب إلى أبى عبيدة بن الجراح أن يزحف إلى إيلياء ـ وهو الاسم القديم لبيت المقدس ـ فلبى أبو عبيدة أمر الخليفة، واستدعى سبعة من مقاديم الجيش، فعقد لكل منهم راية ضاما إليه خمسة آلاف مقاتل بين فارس وراجل وامرهم بالمسير إليها.

<<<

ماذا جرى بعد ذلك يا ترى؟

الجواب للمؤرخ العظيم عارف باشا العارف الذى نقرأ كتابه الآن تحت ظلال كرمة عنب:

كان أول عمل قام به عمر بعد فتحه بيت المقدس أن زار كنيسة القيامة، ولما كان فى داخلها حان وقت الصلاة، فأشار عليه البطريرك صفرونيوس أن يصلى فى داخل الكنيسة قائلا (مكانك صل)، ولكن عمر أبي، وخرج من الكنيسة، وصلى فى مكان على مقربة منها، خشية أن يتخذ المسلمون صلاته فى داخل الكنيسة ذريعة فيضعوا أيديهم عليها ويحولونها إلى جامع. فقابل النصارى عمله هذا بالشكر. وذكره المؤرخون بالتقدير.

خلص الكلام..

لا لم يخلص.. وما يحدث الآن فى العالم العربى من دمار وقتل واغتصاب أراضى ومدن.. هو نفسه صورة طبق الأصل لما حدث فى حملة جورج بوش على العراق.. التى قتلت نحو أربعة ملايين عراقي.. ومزقت العراق وشردت أهله.. وجاءت بداعش التى عاثت فى الأرض فسادا.. ومازال المخطط على المحك.. يعنى يجرى تجميعه ونشر الفوضى فيه.. طبقا لما هو مخطط له!

<<<

يا ترى هل نسينا نحن العرب حساب كل هذا وذاك وتلك وهذه.. ام اننا فى انتظار قنبلة أمريكية أخرى دراماتيكية مجنونة من قنابل عمنا ترامب المقرر علينا هذه الأيام؟ الآن..

خلص الكلام { >> ونحن العرب.. نكون أو لانكون .. وليس بالحجارة وحدها تعود القدس عربية كما كانت .. واللا إيه؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف