محى السمرى
ناس وناس - كشف حساب للوزراء
أوشك عام 2017 علي الرحيل تاركا وراءه أحداثاً وذكريات بعضها حلو والآخر مر.. وفي جميع الأحوال نحمد الله علي نعمائه التي انعم بها علينا وعلي بلادنا العزيزة ونتضرع إلي الله ان يرحم شهداءنا الذين سقطوا ضحايا جرائم الارهاب.
صحيح كان عام 2017 مليئا بالاحداث والمشروعات والأعمال التي تهدف إلي تحقيق أماني الناس من تطور وازدهار وتنمية ورفاهية ومن الطبيعي ان يكون هناك بعض الانجازات التي تحققت خلال هذا العام ومن الطبيعي ايضا ألا يتحقق هذا الانجاز أو يحدث تأخر في التنفيذ لسبب أو لآخر.. ولهذا فمن حق كل وزير ومسئول ان يكتب تقريرا عما حققه من انجازات خلال فترة توليه منصبه الوزاري.. أيا كانت الفترة التي امضاها في عمله كذلك من حقه أن يبين لماذا تعثر تنفيذ بعض ما كان ينشد اتمامه والأسباب التي أدت إلي هذا التعثر وكيفية التغلب علي المشاكل التي ظهرت وكذلك من حقه ايضا ان يذكر الأعمال التي يريد ان يحققها إذا تولي منصبه مرة أخري ووسائل التنفيذ.
المهم ان يعطي كل وزير بانوراما كاملة واضحة عن العمل في الوزارة الذي كان يرأسها.. ولهم في ذلك أسوة حسنة في رئيس الجمهورية الذي أعلن انه سيعد تقريرا شاملا عن كل ما حققه خلال الفترة الماضية من انجازات وفي رأيي انه حقق الكثير ويحلم بتنفيذ مشروعات أخري في المستقبل.. وبالتالي فإن الوزراء عليهم - في رأيي - تقديم هذه التقارير واسوق في ذلك عدة أمثلة.. مثلا لا شك ان وزير الكهرباء قام بجهد ملحوظ أثناء توليه الوزارة وقد لاحظ الشعب ان اداء الطاقة الكهربائية قد تحسن كثيرا ولم تعد تنقطع كما كان يحدث في الماضي.
صحيح ان الوزير رفع أسعار الاستهلاك بصورة ملفتة إلا انه اعلن ان الفواتير العالية سببها الاستهلاك العالي فكلما انخفض الاستهلاك انخفضت قيمة الفاتورة وكان في نية الوزير الاستمرار في رفع الأسعار إلا ان الرئيس السيسي طالب بتأجيل الغاء الدعم عن الكهرباء لعدة سنوات.
والحقيقة ان الوزير أمامه مهام كثيرة خاصة بعد توقيع عقد إنشاء محطة الضبعة النووية لتوليد الكهرباء ولهذا فمن حقه ان يتحدث عما ينتظر قطاع الكهرباء من تطور وما يريد تحقيقه.
ومثال آخر وزير البترول الذي حقق نجاحا في توفير الطاقة بعد ان شاهدنا في الماضي الطوابير الطويلة في محطات البنزين.. صحيح انه حقق نجاحا إلا انه رفع الأسعار وفي نيته رفعها مرة أخري ولكنه حقق نجاحا آخر في متابعته للاكتشافات البترولية وقرب تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي وبالتالي فمن حقه ان يوضح للناس ما انجزه وما سيتم تحقيقه.
والأمثلة كثيرة في كافة الوزارات والمصالح والشعب في حاجة إلي أن يعرف لأن ما تحقق جدير بالاعلان عنه فالوضوح والمعرفة هما اقصر الطرق للبناء والنهوض بالبلاد والواقع ان مثل هذا الاسلوب ليس جديدا ولكن عرفته مصر في الأزمنة الغابرة والعصيبة عندما كان الاستعمار البريطاني جاثماً فوق صدور المصريين.. وكان ما كان من تصرفاته.. الا انه علي سبيل المثال كان الاستعماري البغيض لورد كرومر قد وضع قاعدة معرفية من خلالها يوضح للمصريين وللخديو ما تحقق في مصر خلال عام وقد قرأت تقريراً له نشر في كتاب موسوعة تاريخ مصر كتبه باللغة العربية.
والحقيقة ان هذا التقرير سواء كانت به مغالطات أو يتسم بالشفافية فإنه جدير بأن نعرف كيف استعرض الأحوال في مصر.. فقد تناول مثلا الحالة المالية للبلاد عام 1907 وما تعانيه من أزمات مالية والايرادات التي بلغت مثلا 74.71 مليون جنيه في حين كانت المصروفات أقل بنحو نصف مليون جنيه وتناول كذلك مرتبات الموظفين مؤكدا ان الزيادة في المرتب لن تتم قبل ان يزيدوا من عملهم وفي نية الحكومة تحقيق هذه الزيادة بعد ثلاث سنوات.
واستمر في تقريره وتناول ايضا ضرائب الأطبان واسترداد الأراضي المملوكة للدولة بالاضافة إلي توضيح ما تم تحصيله من ايرادات الجمارك وحركة الصادرات والواردات.. بصراحة لم يترك تقرير اللورد كرومر شيئاً إلا وتضمنه سواء من ناحية إجراء احصاء سنة 1907 وكيف كان عدد السكان في ذلك العام 192.11 مليون نسمة.. والعمل علي تطوير وتعلية خزان أسوان واستمرار العمل في قناطر اسنا وتحويل الأراضي الزراعية في الجيزة من ري حياض إلي ري دائم.
باختصار كان التقرير شاملا بحيث يمكن لمن يقرأه ان يعرف الأحوال في مصر بشكل واضح ومن خلال هذا التقرير ايضا يمكن الوقوف علي حاجة البلاد وما تحتاجه من مشروعات.
ومن أهم ما جاء في تقرير كرومر تحديد اعداد المدارس المختلفة وعدد التلاميذ وعدد المستشفيات وعدد المرضي وأنواع الأمراض حتي اعداد الجنايات والجنح والمخالفات وعدد تلاميذ الشهادة الثانوية وعدد البنات اللائي التحقن بالمدارس كل هذا مع مقارنة بالأرقام في السنة السابقة 1906
المهم ان اللورد كرومر هذا اعترف بأن السودان جزءا لا يتجزأ من مصر.. رغم انه كان صاحب فكرة الادارة المشتركة بين مصر وانجلترا للسودان وبعد ان اتم كرومر كل هذا اعتزل العمل واعلن انه لن يتوقف عن زيارة مصر طالما هو حي.
الحقيقة ان مثل هذه التقارير ما هي إلا بانوراما تستعرض مصر.. وتنقل واقعها إلي المصريين.. وهذا ما نريده بالفعل.. لأن الوزراء والمسئولين هم اقدر الناس علي ذكر الحقائق والمعلومات الصادقة.. ومن خلال ذلك يمكن ان ننطلق إلي ما ننشده جميعا.