جمال سلطان
بن زايد وإخوان اليمن .. مراجعات إماراتية مهمة
الاجتماع الذي عقد في الرياض بين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد مع القيادي الإخواني اليمني محمد اليدومي ، الأمين العام لحزب الإصلاح ، الذراع السياسي لإخوان اليمن تاريخيا ، هو حدث مهم ولافت ، ويكشف عن مراجعات ، أو بداية مراجعات سياسية للقيادة الإماراتية تجاه أحداث المنطقة وموقع الأحزاب السياسية فيها ، وخاصة ما يتعلق بالأحزاب الممثلة لجماعة الإخوان المسلمين .
الاجتماع بين اليدومي والأمير محمد بن سلمان ليس جديدا ، لأن المملكة لم تقطع صلتها أبدا بإخوان اليمن وحزب الإصلاح ، على خلفية التحدي الأكبر المتمثل في خطر الحوثيين والاختراق الإيراني لخاصرة الخليج العربي وتهديد الأمن القومي السعودي في صميمه ، وليس خافيا أن المملكة تحتضن العديد من قيادات حزب الإصلاح اليمني وهناك تنسيق بين الجانبين ولو في الحدود الدنيا ، كما أن اليدومي يعامل كجزء من مؤسسة الرئاسة في اليمن ، وكان حاضرا مع الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في اجتماع القمة الإسلامية في اسطنبول بخصوص القدس ، وعاد بطائرة خاصة إلى الرياض بدعوة ولي العهد السعودي .
الجديد هو اجتماع الشيخ محمد بن زايد مع اليدومي وقيادات حزب الإصلاح ، والإمارات لها موقف معروف من جماعة الإخوان بجميع أذرعها في العالم كله ، كما كان لها موقف متشدد من حزب الإصلاح ودوره في اليمن ، وحملات إعلامية تشهر به وتتحدث عن عمالته وخيانته وغير ذلك من اتهامات ، وهي كلها جزء من سيناريو الصدام العنيف بين الإمارات والإسلاميين بعد الربيع العربي وقلق الإمارات من تداعياته على الخليج ، فأن يحدث بعد كل ذلك أن يجتمع رجل الإمارات القوي مع زعيم إخوان اليمن ، فهي نقلة بالغة الأهمية وتستدعي التوقف عندها وفهم أبعادها ، بغض النظر عن المحاولات التي يبذلها الإعلام الإماراتي للتخفيف من دلالات الخطوة والحديث عن أن الإصلاح انفصل عن الإخوان ، وهو كلام لا يقنع أي محلل سياسي ، لأن قادة الإصلاح هم قادة الإخوان ، والجميع يعرف ذلك جيدا .
هل يمكن أن يكون التطور الذي حدث على الأرض ، بعد مقتل علي عبد الله صالح ، دفع الإمارات إلى مراجعة سياسية تعتمد الواقع وتحترم مفرداته وتعيد صياغة أولويات الأمن القومي للإمارات والخليج كله ، أعتقد أن هذا هو التأويل الوحيد المعقول والمنطقي حتى الآن ، ويبدو أن الرسالة وصلت إلى الحوثيين ، فبدأوا بشن حملة اعتقالات وبطش بقيادات الإخوان في صنعاء بما في ذلك أعضاء بالبرلمان اليمني نفسه من أعضاء الجماعة .
الخطوة الإماراتية تفتح باب الأمل في مراجعة أشمل ، للعلاقات الإماراتية مع القوى السياسية المحسوبة على الإسلاميين في العالم العربي ، حيث تسبب الموقف المتشدد من الإمارات لجعلها في صدام حاد ومؤسف مع ملايين العرب والمسلمين في أنحاء العالم ، ويمكنك أن تنظر الآن إلى الغضب المتنامي من مواقف الإمارات في اليمن وفي ليبيا وفي مصر وفي السودان وفي سوريا وفي تونس وغيرها من البلدان ، لكي تدرك حجم الهوة والخسارة المجانية التي أضرت بالدور الإماراتي في المنطقة ، ووضعته في ما يشبه العداء مع شعوبها ، وهو وضع غريب وطارئ على الإمارات ومكانتها ودورها الذي أسسه الشيخ زايد بن سلطان رحمه الله ، فقد كانت الإمارات في عهده تحظى بحب جارف في مختلف أنحاء العالم ، وكان حضورها في أي بلد يعني نماء وعونا وعطاءا للشعوب ، بعيدا عن أي اشتباك سياسي ، كما كانت قبلة للمثقفين والأدباء من كل التيارات ، كان هناك إجماع عربي على احترام الشيخ زايد وإكبار حرصه على تعزيز علاقات بلاده مع شعوب المنطقة وعدم الدخول في أي أزمات سياسية .
اليوم الوضع اختلف ، وهناك أزمة حقيقية في علاقة الإمارات بشعوب المنطقة وقواها السياسية ، وهي أزمة استنزفت الكثير من سمعة الإمارات ومكانتها في المنطقة ، بدون أي طائل ، ربما كان حضورها في المشهد المصري هو الوحيد الذي أتى أكله حسب تصور القيادة الإماراتية ، لكن الحال كما نرى الآن في مصر ، كما أن التجربة المصرية حجمت دور الإسلاميين بالفعل وحجم الأخطاء التي ارتكبوها في سنة الحكم كانت كارثية ولا أظن أن أحدا سيقبل بتكرارها في المستقبل بعد كل ما جرى ، وأما في بقية بلدان الربيع العربي فالأمر غاية السوء في سمعة أبو ظبي ومكانتها ، ولا تذكر إلا ويذكر معها تفجير النزاعات السياسية والعسكرية ودعم فصائل ضد فصائل أو إنفاق أموال طائلة لإعادة هيكلة التوازن الحزبي في بعض البلدان ، وكل ذلك أصبح معروفا ولا يحتاج إلى دليل .
أرجو أن يكون لقاء الشيخ محمد بن زايد مع قيادات حزب الإصلاح بداية مراجعات مثمرة تعم المنطقة كلها ، التي أثخنتها الانقسامات ، خاصة وأن هذه الانقسامات لم تخلف سوى مخاطر أعظم كثيرا مما كانوا يخشونها ، سواء في الهيمنة الإيرانية على عواصم المشرق العربي وصنعاء أو تمدد الإرهاب الداعشي في شمال أفريقيا ، لقد آن الأوان لإجراء مراجعة شاملة وشجاعة لدور الإمارات ، يعيدها من جديد إلى إمارات زايد الخير ، رمز العطاء والنماء والخير عند شعوب المنطقة كافة .