المصرى اليوم
نصار عبد الله
الحوثيون يعاندون التاريخ أم يعيدونه؟
فى كل بلاد الدنيا يتحرك التاريخ دائما إلى الأمام: من الدولة الدينية إلى الدولة المدنية، ومن الدولة الملكية ذات السلطات المطلقة إلى دولة القانون والمؤسسات، أما فى اليمن، فقد ظل التاريخ متجمدا أو شبه متجمد على مدى ما يربو على ألف عام هى الفترة التى قدر فيها للإمامية الزيدية أن تحكم اليمن منذ دخول الزيود إليها وتأسيسهم دولتهم فيها فى نهاية القرن الثالث الهجرى (التاسع الميلادى) إلى أن أطاحت ثورة سبتمبر 1962 بالإمام محمد البدر ابن الإمام أحمد حميد الدين، آخر حكام المملكة المتوكلية اليمنية، وآخر الأئمة الزيديين الذين تعاقبوا على حكم اليمن منذ أن تمكن الإمام الهادى من إقامة أول دولة زيدية فى شمال اليمن، ورغم أن الإمام الهادى نفسه هو أحد أحفاد الحسن بن على بن أبى طالب، إلا أن أتباعه يُعرفون بالزيدية نسبة إلى زيد بن على الذى هو أحد أحفاد الحسين عليه السلام!،

فقد خرج الإمام زيد على الخليفة الأموى هشام بن عبدالملك بتشجيع من بعض أنصاره فى الكوفة الذين بايعوه بالإمامة لما رأوا فيه من غزارة العلم والتبحر فى أمور الدين، لكن أغلبهم- عندما حان وقت الجد- تخلوا عنه!، فكانت نهايته الفاجعة المأساوية التى تشبه فى مأساويتها فاجعة جده الحسين، إذ قُطع رأسه وحُمل إلى دمشق حيث أمر الخليفة هشام بأن يُعلق على سور المدينة فتنقره الطير!!..

غير أن مقتله لم يكن هو نهاية المطاف، إذ ظل بعض المخلصين لأفكاره يتناقلون تلك الأفكار، إلى أن تمكن واحد منهم هو العالم الفقيه يحيى بن القاسم أحد أحفاد الحسن، والذى عُرف بعد ذلك بالهادى، من الهجرة من المدينة المنورة التى ولد فيها إلى صعدة فى شمال اليمن التى وجد فيها أرضا صالحة لغرس أفكاره الفقهية، فاستقر فيها وأخذ من أهلها البيعة على إقامة الكتاب والسنة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، مؤسسا بذلك أول دولة زيدية فى اليمن، ولقد اتسع سلطانه مكانيا ليشمل معظم أنحاء اليمن وجانبا من الحجاز ذاتها، كما امتدت دولته الزيدية زمنيا إلى مدى ما يزيد على الألف عام حين أطاح المشير عبدالله السلال، قائد الحرس الملكى اليمنى، بالإمام محمد البدر فى سبتمبر 1962 كما سلفت الإشارة، ولقد لقيت الثورة اليمنية، التى دعمتها مصر إذ ذاك، تأييدا واسعا من سائر النخب المتعلمة والمستنيرة من أبناء الشعب اليمنى الذين شعروا بأنه قد آن الأوان لأن تخرج اليمن بفضل قواتها المسلحة من نظام أقل ما يقال عنه إنه ينتمى إلى القرون الوسطى..

إلى نظام تفرضه طبيعة الأشياء فى القرن العشرين، ووقفوا من ثم بكل جوارحهم إلى جانب الجمهورية الوليدة، ومع هذا فقد كان هناك من أبناء الشعب اليمنى من اختلط لديهم بعد ألف عام من محاولات الخلط المقصود والمتعمد بين مفهوم: «الإمام» باعتباره حاكما دنيويا، ومفهوم: «الإمامة» باعتبارها معلما ورمزا من رموز الدين والعقيدة، ووقفوا من ثم إلى جانب الإمام «البدر»! الذى راح يجمع من حوله الأنصار، ويشن الحرب الطاحنة ضد الجمهوريين بمعونة من المملكة العربية السعودية محاولا أن يستعيد الإمامة الضائعة التى لم تكن السعودية ترى فيها إلا جانبها السياسى الدنيوى وهى أنها صورة من صور نظام ملكى يجاهد أن يصمد لرياح التغيير التى هبت لصالح نظام جمهورى، فما الذى اختلف الآن بعد أن استولى الحوثيون (الذين هم الامتداد المعاصر للإمامية الزيدية) على مقاليد الأمور؟ ولماذا تقود السعودية اليوم تحالفا لشن الحرب على من كانت بالأمس نصيرا لهم؟.. الجواب هو أن وراءهم اليوم إيران.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف