الأهرام
سناء صليحة
منمنمات ثقافية القدس قراءة فى ذاكرة المكان
تمثل القدس حالة شديدة الخصوصية فى تراث الإنسانية عموما وفى الوجدان العربى تحديدا الذى يتفاعل تلقائيا مع القضية من منظور دينى قدسى، المؤسف أننا فى غمرة الأحزان وردود الفعل العاطفية بعد كل حدث يمثل انتهاكا صارخا لحرمة المدينة المقدسة، نغفل أوراقا مهمة لو احسنا استغلالها قد تغير واقعا مفزعا يستلب هوية ويزيف تاريخ مدينة مقدسة سواء بطمس ملامحها التاريخية والدينية أو بتنفيذ سياسات لدفع المقدسيين لهجرها. ولعل قراءة فى ذاكرة المكان كفيلة بأن تكشف بما لا يدع مجالا للشك غياب أى دليل علمى تاريخى أو أثرى يعزز مزاعم الصهيونية عن يهودية القدس، ويفضح المحاولات المستمرة لطمس تاريخها وهويتها العربية، بما يعد انتهاكا للأعراف الدولية والإنسانية، بدءا من النتائج الملفقة للبعثات الأثرية والاستيلاء على أرشيف المحاكم الشرعية بالقدس وصولا للتضييق على المقدسيين لترميم منازلهم القديمة المبنية على الطراز العربى والتحايل على قرار تسجيل القدس فى قائمة التراث العالمى عام 1981 وفى لائحة التراث المهدد بالخطر عام 1982 وتسويق ابداعات الموروث الشعبى الفلسطينى باعتبارها موروثا يهوديا!!.

فى كتابه «انثروبولوجيا اليهود» يقول جمال حمدان إن فلسطين حاضنة القدس هى أرض كنعان بن حام بن نوح وهم أول من سكن فلسطين على الأرجح قبل 3500 عام ق.م وأقاموا بها حضارة راقية.وفى موضع آخر يقول «حرم الرومان على اليهود دخول القدس وطردوهم نهائيا من فلسطين وكان هذا هو التاريخ الذى انتهت فيه وإلى الأبد علاقة اليهود بفلسطين سياسيا وسكانيا.. إنه الخروج الأخير» ويشير مازن محمود الشوا فى دراسة بعنوان «أضواء حول مدينة القدس» إلى إلغاء سيدنا عمر هذا القرار طبقا لما حدده القرآن الكريم وتعهده لمسيحيى القدس بألا يدخل أحد من اليهود الى مقدساتهم ـ طبقا لوثيقة العهدة العمرية المحفوظة فى كنيسة القيامة بمدينة القدس. وعن تاريخ الاستيطان فى القدس فى العصر الحديث تشير المراجع للمليونير البريطانى اليهودى موسى منتفيورى الذى اشترى اول قطعة ارض فى القدس خارج اسوار المدينة عام 1855 وأقام ما عرف بحى مونتفيورى الذى شكل نواة الاستيطان اليهودى فى القدس. وتوضح سجلات محكمة القدس الشرعية ان المستوطنات اليهودية التى غزت شمال غرب المدينة وصلت الى 36 مستوطنة عام 1918 ليصل الامر فى عشرينيات القرن الماضى لمطالبة اليهود بملكية الحائط الغربى للمسجد الاقصى حائط البراق ـ رغم أنه أرض وقف إسلامى مثبت بشهادات ووثائق، اعترفت به لجان التحقيق الدولية.

فى حوار أجريته قبل سنوات مع المهندس الدكتور رائف نجم وزير الأوقاف والأشغال الأسبق بالأردن ورئيس جمعية حماية القدس الشريف اوضح محاولات تزييف هوية القدس وادعاء حق تاريخى فيها من خلال بعثات التنقيب عن الآثار وادعاء أن جميع الحجارة الموجودة فى الحائط الغربى ــ حائط البراق ـ جزء من الهيكل واعتبار أى حجر بجوار كنيسة القيامة أو قرب فندق الملك داود جزءا من الهيكل أو قصر سيدنا سليمان، برغم تأكيد البروفيسير اليهودى بنجمين مزار أن اليهود لم يهتموا آنذاك بالبناء بالحجارة إذ تقول التوراة لداود «انك لم تبن لى هيكلا لأنك إن بنيته بالحجارة ورفعت أزميلك عليه تدنسها»، إذن لايوجد هيكل بالحجارة!!.

كذلك أثبتت الأشعة تحت الحمراء أن الصخرة التى يدعون انها جزء من الهيكل لم تتشرب أى دماء ولم يذبح عليها طير واحد. كما ذكر بعض الباحثين مثل جدعون أفنى ورون رايخ ويائيل زاكوفيتش وتوبيا ساجيف ومائير بندوف أن داود لم يبن مدينة وأن اليهود حوروا اسم مدينة أورسالم الكنعانية ليصبح يور شاليم، وأن مملكة يهودا طبقا للتوراة عاشت أربعين عاما شُغلت فيها بالحروب لا البناء!! أربعون عاما من خمسة آلاف سنة هى عمر القدس!! وادعاءات يكشف زيفها علماء يدينون باليهودية رفضوا بيع ضمائرهم بفضة يهوذا، وحقائق حفظتها ذاكرة مكان.. فمتى نكشفها ونروج لها امام العالم لإثبات حق وهوية الارض المباركة!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف