أسامة سرايا
فى وداع عام.. مصر الواثقة
ونحن نتطلع إلى عام جديد، يجب أن يشعر المصريون بالثقة على اختلاف أحوالهم الاجتماعية والاقتصادية، فقد اجتاز بلدنا فى العام الذى نودعه 2017 أزمات صعبة وعاتية، وحقق فيه ما يجب أن نعتز به، ونحن ندخل العام الجديد 2018. ونتطلع أن نواصل المسيرة، فليست محطات الزمن فاصلة، وإنما هى مكملة، وإن كان فيها وقفات تعطينا ذخيرة القدرة على المواجهة, نظراً لأننا عشنا أحداثأ درامية وعاصفة منذ أن دخلنا هذه العشرية الثانية من القرن الجديد، فشهدنا فيها ثورات وانتفاضات ومتغيرات، عندما نسترجعها يهتز لها العقل والوجدان الإنسانى، فقد شهدنا حروباً لم نعهدها، واهتز الاقتصاد وتأرجحت عملتنا وزادت ديوننا، وأصاب شىء من الركود الأسواق وارتفعت الأسعار وظهرت أنماط مخيفة من الإرهاب، أراد أن يجعل الحياة المصرية جحيماً، وسقوطاً لا قيام بعده!! ولكن مصر ملكت قيادة نفسها، وتحركت مؤسساتها للسيطرة على البلاد، ومنعت انفلاتها.
نعود إلى عام 2017 فنرصد أحداثه، فهو يعطينا صورة عما نتطلع إليه, وأتوقف عند أبرز علامات التحرك والقوة فى السياسة المصرية، وهى بناء تحالف المواجهة بين مصر و3 دول خليجية (السعودية والإمارات والبحرين) لكشف وتعرية الإرهاب والتطرف وصانعى الإرهابيين ومموليهم فى قطر، فقد كان قراراً حصيفاً وشجاعاً، ولحظة صدام صادق لوقف خط التمويل المستشرى فى بلدنا، وفى ليبيا واليمن بهدف تفريغ المنطقة من قوتها، وتسليط التيارات المتطرفة على مفاصل المنطقة. كان التحالف خطوة كبرى غير منتظرة، ولكنها تحققت، لو لم يظهر هذا التحالف القوى لتفككت المنطقة كلها من (تونس إلى البحرين) صحيح أن الدولة المعتدية مازالت تكابر، ولكنها الآن انحصرت وانكشفت إقليميا هى ومؤسساتها الإعلامية، وأصبحت عاجزة عن مواصلة دورها التخريبى فى المنطقة، وبدأ العد التنازلى للتسليم والعودة إلى موضعها الذى يجب أن تكون عليه. وكان دور مصر فى إنهاء انقسام الضفة الغربية وغزة، وقد طال لأكثر من عقد، ملمحا آخر على قوة سياستنا ورؤيتنا المستنيرة لمواجهة الأزمات، فعودة الوحدة الفلسطينية خطوة أخرى كبرى لمصر فى تصحيح الوضع الفلسطينى، وتهيئة المنطقة للتعامل مع المتغيرات القاسية التى زادت من قدرة الفلسطينيين على حشد طاقاتهم للتمسك بالقدس الشرقية بعد القرار الأمريكى بنقل سفارتهم إلى القدس، بدون تحديد أى قدس، فهل ينتقلون إلى القدس الغربية أم أنهم يعترفون بالقدس الموحدة كعاصمة لإسرائيل؟ وكانت العاصفة العاتية التى واجهت هذا القرار بمثابة رسالة حاصرت القرار الأمريكى، وأعتقد أن مفعولها لايزال مستمرا، وسيكون مؤثرا فى الفترة المقبلة ويحسب للمصريين أنهم أعادوا القضية الفلسطينية العادلة إلى صدارة المشهد بعد غياب أخاف العرب على مستقبل قضيتهم، وكذلك كان التحرك المصرى لمحاصرة التطورات المخيفة فى ليبيا، ليكون له مفعول السحر فى العام القادم 2018، لإنقاذ ليبيا من تخطيط محور التفكك والانهيار..وهكذا فى سوريا وضعت مصر قواعد للتحرك والإنقاذ عبر علاقات متوازنة مع روسيا، ومع مختلف قوى الصراع فى سوريا، وأصبحت فى موقع يؤهلها لتلعب دوراً مؤثراً لصالح الشعب السورى، ووحدة بلاده وعودة استقراره.
أما إفريقيا، فإن التحرك المصرى حاصر الغياب الطويل، وأعاد مصر إلى قلب قارتها، وعلينا انتظار حصاد هذا العمل المنظم والمتكامل فى العام الجديد 2018 فى مستقبل المياه، خاصة فى نهر النيل، ومستقبل التجارة والتعاون الإقليمى، ونتطلع إلى حلول جذرية فى حوض النهر الأزرق بين مصر وإثيوبيا والسودان وجنوب السودان..وعلى الصعيد الداخلى، رغم ما حققناه فى البناء الاقتصادى، ولكننا سنبدأ بالرياضة، فلقد كان عام 2017 يعتبر عام السعادة والإنجازات التى وضعت مصر على خريطة الرياضة العالمية. ويجب التوقف طويلاً أمام شبكة الطرق الرئيسية والداخلية التى تجرى على قدم وساق، وأن نقول ب(الفم المليان) إن العام المنقضى وضع مصر على خريطة جديدة، وأصبحنا بعدها مؤهلين لنقول إننا أصبحنا قادرين على نقل السكان من الوادى الضيق، شرقاً وغرباً، وتنمية مجتمعات عمرانية عن طريق تنفيذ شبكة طرق لربط الوادى بالمناطق الوعرة، لتنميتها وتنمية المنطقة المحيطة بهذه الطرق، فقد ظللنا نحلم بالخروج من نسبة الـ7% من أراضى مصر إلى 25% أو 30%، وقد تحقق الحلم، وسنرى ثمراته جلية فى العام الجديد. أما مشروعاتنا الكبرى القومية، فإنها تسارع الخطى من أجل تحقيق الطموح للإنسان المصرى، ويكفى للدلالة عما نقول إن طموحنا لتكون مصر دولة كبرى منتجة للغاز الطبيعى أصبح على بعد خطوات، مع ترقب بداية إنتاج المرحلة الأولى من حقل (ظُهر) العملاق الذى سيغنى مصر عن استيراد الغاز الطبيعى خلال العام. وهنا نحن أمام تطور مهم ينقل مصر لتتبوأ موقعها لتصبح مركزاً إقليميا إستراتيجياً لتجارة وتداول الطاقة، وليس سرا أن هذا التحول كان السبب وراء كل المؤامرات التى تم التخطيط لها من دول إقليمية لضرب مصر حتى لا تصل إلى هذا الهدف. ولكننا، ولله الحمد، تداركنا أزماتنا، وعدنا من جديد لنتبوأ موقعنا الإقليمى بإرادة المصريين وقوة جيشهم. ولا يمكن أن ننهى هذا الرصد بدون الحديث عن قدرة المصريين على تحمل الإصلاح الاقتصادى الصعب، بعد أن دخلت المرحلة الثانية للإصلاح الاقتصادى والاجتماعى على مدى ثلاث سنوات من نهاية 2016 نوفمبر حتى نهاية 2019، ويجب أن يحسب للحكومة الراهنة، برئاسة المهندس شريف إسماعيل الذى نتطلع إلى عودته سالما، أنه كان برنامجا وطنيا بالتعاون مع المؤسسات الدولية لمواجهة الاختلالات المالية، ولاحتواء عجز الموازنة، وتطوير العشوائيات، وهى التى ستشهد قفزة فى العام القادم، وستكون مصر خالية من العشوائيات غير الآمنة فى عام 2018.
هذا البرنامج الذى سرنا فيه بشجاعة، من تحرير سعر الصرف ورفع أسعار المحروقات بقرار رئاسى، استهدف معالجة جذور الأزمات، ولم يلجأ للمسكنات، وهذا لا يعنى أن مصر اجتازت كل مشكلاتها، فنحن أمامنا مشكلات طويلة ومعقدة، ولكن في العام القادم يجب أن تتضافر كل القوى المصرية لاستمرار قدرة الاقتصاد، والسير فى المسار الذى سرنا فيه بلا اهتزاز أو اضطراب.