د. نصر محمد عارف
هكذا تعود فلسطين وتتحرر القدس
فى صيف1999 أعددت دراسة عن القائد والمفكر الفلسطينى المرحوم خالد الحسن (أبو السعيد)، وعنونت الدراسة «فلسفة العودة: فلسطين والمشروع النهضوى العربي، قراءة فى أفكار خالد الحسن» وقد نشرتها مجلة دراسات فلسطينية، الصادرة عن مركز الدراسات الفلسطينية فى بيروت، عام 2000، ولكن للأسف بعد حذف الجزء المهم فى العنوان وهو «فلسفة العودة»؛ وبعدها نشرها بدون حذف مركز الدراسات والأبحاث التابع لمؤسسة خالد الحسن فى الرباط بالمملكة المغربية. واليوم مع ظهور مؤشرات ضياع ما تبقى من فلسطين، وعلى رأسها القدس، رجعت إلى جوهر فكر القادة المؤسسين لمنظمة التحرير الفلسطينية، والى جوهر القضية الفلسطينية؛ وهو «العودة» التى عبر عنها المرحوم خالد الحسن بقوله «إذا لم أعد الى مدينتى حيفا فلماذا أنا هنا معكم».
تمنيت أن يكون موقف العرب من قرار ترامب هو سحب الاعتراف بالكيان الصهيوني، وابلاغ الأمم المتحدة بسحب الاعتراف بجميع القرارات ذات الصلة بنشأة ووجود واستمرار الكيان الصهيون منذ عام 1947 وحتى اليوم، وبعد هذا الموقف النبيل يتم اتخاذ الإجراءات الآتية: أولا: الاعتراف بكل شجاعة بفشل الحلول العسكرية مع الكيان الصهيوني، لأن غاية ما حققته أنها لم تسترجع ما استولى عليه هذا الكيان من أراضى الدول العربية التى كانت تنوى تحرير أرض فلسطين، بل تم خسارة مزيد من الأرض بدلاً من استرداد فلسطين، وكذلك فشل المقاطعة العربية لأنها لم تعد ذات جدوى مع الكيان الصهيوني. ثانياً: التوقف عن رفع شعارات فلسطين والقدس لتمرير مشروعات أحزاب سياسية ودول توظف الإسلام والرموز المقدسة لاستحمار الجماهير واستتباعها وتخديرها؛ من الإخوان إلى إيران إلى حزب الله إلى الحوثى إلى الأحزاب الطائفية فى العراق، فلم تستفد الأمة ممن رفعوا شعار تحرير فلسطين والقدس إلا الحروب الأهلية والطائفية والإرهاب والعنف التدمير والتخلف.
ثالثاً: فتح جميع الأبواب والطرق لتدفق العرب مسيحيين ومسلمين إلى فلسطين للسياحة والاستثمار والاستقرار فى الضفة والقطاع والجليل والناصرة والمثلث والنقب، وكل مناطق العرب فى فلسطين؛ لدعمهم وإقامة المشروعات فى مناطقهم، ووضع حكومة الكيان الصهيونى فى معضلة دولية من خلال جرها إلى أرض معركة حقيقية، هى معركة الإنسان والأرض بعد معارك ميكروفونات العرب. رابعاً: تنظيم الحج الى بيت المقدس للمسلمين والمسيحيين العرب بصورة ترعاها المؤسسات الدينية ذات الصلة؛ بحيث يتدفق الملايين على بيت المقدس مسالمين للزيارة، والصلاة والعبادة، وحينها سيعود أبناء القدس من مهاجرهم لمدينتهم، وحينها سيكون اقتصادها أكثر جاذبية بحيث يتحول اليهود إلى خدمة الحجيج بدلاً من قتل الفلسطينيين. خامسا: وضع سياسة ثقافية ودينية تحفظ حقوق اليهود كأهل كتاب يجب احترامهم والتعامل معهم بالحسنى كما كانوا لأكثر من ثلاثة عشر قرناً فى جميع المجتمعات العربية، وذلك بتجريم سب اليهود أو لعنهم، أو التعدى عليهم بأى لفظ، وتوجيه النقد السياسى للحركة الصهيونية التى اغتصبت فلسطين، وارتكبت فيها كل الجرائم التى تعاقب عليها جميع القوانين. وبهذا الفصل بين اليهود من جانب، والصهاينة من جانب آخر يتم إضعاف موقف الصهاينة، والارتقاء بموقف العرب إلى مستوى يجعل من يعارضه شريكا فى جريمة الاستعمار والتطهير العرقي. سادسا: دعوة اليهود العرب الى العودة الى البلاد التى هاجروا منها واسترجاع جنسيتهم بعد التنازل عن الجنسية الإسرائيلية، بحيث يعود يهود مصر، إلى مصر، وكذلك باقى الدول العربية، وبذلك تتحقق دعوة خالد الحسن بالعودة إلى فلسطين من طرف أهلها الذين طردوا منها، والعودة من فلسطين لكل من جاء إليها من خارجها مغتصبا سارقاً للأرض والتاريخ. سابعا: مطالبة الحكومة التركية برفع الحظر عن سجلات الأوقاف الإسلامية فى فلسطين، وهى تعادل أكثر من نصف أراضى فلسطين، ورفع قضايا دولية لاسترداد هذه الأوقاف طبقا للحجج التى تؤكد ذلك. سابعاً: إنشاء مؤسسات استثمارية ضخمة من الأموال التى كانت تتبرع بها الشعوب العربية لحركة حماس وغيرها لشراء الأراضى من داخل الخط الأخضر الذى احتل عام 1948، وإنشاء مشروعات فى مناطق الضفة الغربية التابعة للسلطة الفلسطينية، وبذلك يتم استرجاع فلسطين من خلال غرس الإنسان فيها. قد يظن البعض أن هذا الكلام جديد، الحقيقة التاريخية أن هذا ما قام به صلاح الدين بعد تحرير القدس عام 1187م، حينها لم يكن فى القدس ومحيطها مسلم أو عربي، فما كان منه إلا نشر السلام أولاً فى المدينة، ولم يؤذ سكانها الصليبيين الذين خرجوا مع جيوشهم؛ بل منحهم مهلة زمنية للخروج، ثم قام بعد ذلك باستخدام مختلف الوسائل لتشجيع العرب والمسلمين على القدوم إلى القدس ومحيطها والاستقرار هناك، فقام ببناء مقامات لبعض الصالحين لجذب الطرق الصوفية من مصر والشام والعراق للقدوم إلى أرض فلسطين، ودفعهم لعمل موالد ومهرجانات تستمر لأسابيع لتشجيع البشر على الانتقال من خلال خلق وظائف لهم، وفتح آفاق اقتصادية جديدة أمامهم، صلاح الدين لم يسترجع القدس وفلسطين بالسلاح فقط، بل بالتحريك الاجتماعي، والنشاط الاقتصادى والفعاليات الثقافية. ونحن اليوم قد لا نملك الوسيلة العسكرية، ولكننا نملك الوسائل الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وإذا تمسكنا بالوسائل القديمة الفاشلة مثل المقاطعة والنضال عبر وسائل الإعلام، وتركنا أهل فلسطين فى ضيق العيش، والاضطهاد، سيتم تفريغ كل فلسطين لمصلحة الصهاينة خلال جيل واحد.