سعاد طنطاوى
الخلطة السحرية عند نفيسة عبد الفتاح
"بحبوحة العيش" ورحلات السفارى فى الغابات المفتوحة حلم يراود أى انسان يسافر بحثا عن لقمة هنية فى بلاد الغربة ولانه غالبا ما تأتى الرياح بما لاتشتهى السفن كان الحال مع مؤلفة رواية "تراب أحمر" الزميلة الاديبة الناقدة والمترجمة نفيسة عبد الفتاح رئيس قسم الثقافة بجريدة الأسبوع التى سطرت فى روايتها القصيرة أمل زوج ورفيقة حياته كانا يحلمان برغد العيش عندما جاءتهما الموافقة على السفر الى زامبيا لعمل الزوج باحدى فروع شركات المقاولات المصرية فيها.
عنوان الكتاب الذى اختارته المؤلفة غامض يستدرج القارىء من الوهلة الاولى الى الاستفسار عن معناه ولكنه ذكاء المؤلفة التى نجحت فى اخذ القارئ الى قراءة روايتها من أولها الى أخرها حتى يصل الى معنى أسم الرواية من خلال 18 فصلا متسلسلة مترابطة متناسقة لدرجة أن القارىء بمجرد الانتهاء منها يجد نفسه باحثا عن عناوين أخرى كثيرة للرواية التى تتضمن كما ثقافيا من المعلومات عن افريقيا عامة وزامبيا خاصة تتعرف فيه على عادات وتقاليد وثقافة وحضارة واسلوب حياة هذه البلاد بأسلوب سلسل للغاية يحسب للكاتبة التى استطاعت ان تجعلك تعيش معها الاحداث لحظة بلحظة وتشعر بصدق كلامها واحساسها.
بذكاء شديد فى رواية " تراب أحمر " تتحسس من التجربة الشخصية للكاتبة مرارة الغربة التى يتكبدها المصريون فى الخارج من اجل لقمة عيش أفضل وتتأكد من صحة المثل القائل "ايه اللى رماك على المر "الذى بدأ معهما بمجرد ترك مصر والبعد عنها لمكان يرتفع نحو الفا ومائتى متر عن سطح البحر، هناك فى بلاد " زامبيا " قلب افريقيا والتى لم تكد تطأ قدميهما المكان إلا ووجدا فيها ترحيبا شديدا من الحرباء والثعابين وسط نظرات متوجسة أكبر مما اخبروهم بها من عاشوا قبلهم فى هذا المكان وكأنه لايكفى بأن رضوا بكل ما قيل لهم عن الحالة الامنية المتردية هناك والفساد المنتشر حتى يطلب منهما التعايش مع الحيات والعقارب ، ولكنه القدر والامتثال لأوامره " أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا "
وتكمل البطلة مأساة الغربة التى بدأت منذ اللحظة الاولى لوصولهما الى منزل قديم متهالك تشمئز منه النفس فى كل شيىء ، بمفاجئة أقذر منها وهى رفض إدارة الهجرة فى زامبيا طلب اقامتهما ويا لها من كارثة محدقة حطت فوق رؤوسهما جعلت اول يوم لهما فى زامبيا أطول ليالي عمرهما امتزجت فيه مشاعر خيبة تفوق احتمالهما جراء العودة الفورية الى مصر بعد كل هذا الانتظار لفرصة السفر ، فقد كانت أخر ما كان ينتظراه واين فى بلاد التعابين والحيات .
ورواية تراب أحمر تعرى حقيقة حياتنا المليئة بالفساد فالشركات الكبرى ترسل الى بعض فروعها فى الدول رجلا واحدا يقوم بكل المهام وغالبا ما يكون هو الحامى والحرامى فى أن واحد والمصيبة فى أن الذى لايجد تعاونا هو من لايقدم قرابين الولاء لكبار الموظفين ومهما حاولت فهى خلطة سحرية للمصريين اتعبت حتى المفكرين فى محاولة تحديد جذورها الا انها خلطة سحرية من الافارقة والعرب والفراعنة صهرها التاريخ فى قارب نيلى أو تحت شمس واحة أو على شاطىء بحراو قل فى اى مكان أخر من أرض المحروسة ، تلك الخلطة هى ما جذبت بطلة الرواية لتجربة السفر الى قلب افريقيا للتعرف على جزء من خلطتهم السحرية ولكن يا ألف خسارة تفاجأ بطوفان من المحسوبية والمجاملات والرشاوى والفكر العقيم واقصاء المجتهدين وعدم مساءلة المخطئين التى تدمر قدرات مصر التنافسية ، وهنا يظهر المعدن الاصيل للمرأة المصرية التى تتحمل مشقة السفر وتقف بجوار زوجها وتصلب ظهره حتى يجتاز مرحلة الكفاف فى 18 فصلا تجد النهاية فى الفصل الاخير منها حيث الافراح مؤجلة.