لم أنتبه من قبل لأهمية الدراما وتأثيرها. حرصت ابنتى أن أحضر أكثر من عرض مسرحى. كلما رافقتنى فى السفر للخارج. انتبهت أخيرا إلى أن الدراما بمثابة الشركة القابضة التى يخرج منها فن التراجيديا والكوميديا. فن التمثيل عموما.
الدراما لا تخاطب العقل مثلما يفعل العلم. هى تخاطب الإحساس. تخاطب الشعور. تستثير المشاعر بصفة عامة. تؤثر فيها وتوجهها. بصرف النظر عن الاتجاه الذى تدفعها نحوه. قد تكون فى الاتجاه الصواب. وقد تكون فى الاتجاه الخطأ.
من خلال الدراما جرى العديد من الأحداث.
الدراما أيضا تؤثر فى الواقع وتغيره.
تأثيرها فى النفس البشرية جبار. تمتلك سلطة سرية، بها تستطيع السيطرة على مشاعر البشر. الدراما إذن منبتها الواقع. هى ابنة التاريخ. انعكاس للحياة اليومية. استعادة للأحداث الكبرى فى مسيرة البشرية. كل هذه المعطيات هى المادة الخام للدراما.
شخصية هتلر وتمكُّنه من الخطابة والمظهر الذى يظهر به دائما كانت نوعاً من الدراما. لتجنيد الشعب الألمانى كله، ليدفع به إلى الحرب العالمية الثانية. دراما أدت إلى سقوط عشرات الملايين من البشر فى بلدان كثيرة. بهذه الدراما أعطى مبرراً للصهاينة يبتزون به الإنسانية كلها. بدعوى ما جرى لهم فى ألمانيا النازية.
موسولينى نموذج درامى آخر. جند إيطاليا لتتحالف مع هتلر، إمعانا فى التأثير على الناس. كان يلقى خُطبه من فوق مدفع.
جمال عبدالناصر مثال واضح. ببسطة الطول وابتسامته. وما منحه الله من ملامح وقبول. من كاريزما وخفة ظل وقدرة على التأثير. لم يكتفِ بهذا فقط. بل استخدم أيضاً أدوات الفن للترويج لمشروعاته. من صحافة وأفلام سينمائية ومسرح وحتى الرقص الشعبى. عندما غنت فرقة رضا «فدادين خمسة». سخّر عبدالحليم حافظ وغيره من النجوم للترويج لمشروعاته من تأميم القناة إلى السد العالى، ثم الدعوة إلى الاشتراكية والقومية العربية.
وكما أن الواقع يصنع دراما، فالدراما تصنع واقعا جديدا أيضا. فيلم «أريد حلا»، وهو عمل درامى. ألم يؤدِ إلى تغيير فى قانون الأحوال الشخصية؟!.
لو نظرنا إلى ثورة 25 يناير ذاتها. كانت لها مقدمات درامية. مهّد لها ما حدث حولنا فى دول الربيع العربى. فى مصر ظهرت حركة «كفاية». مجرد انتشار هذه الكلمة قرّب للمصريين فكرة أن يرحل مبارك. «كلنا خالد سعيد» شحنت المصريين المحايدين بالغضب والرغبة فى الانتقام. جندتهم معنويا. هكذا مهّدت تلك الدراما الأرض لما حدث فى 25 يناير 2011