الدستور
القس رفعت فكرى
الدين والسياسة وقضية القدس «1-3»
قرار الرئيس الأمريكى ترامب بجعل القدس عاصمة لإسرائيل، هو انتهاك واضح وفاضح للقانون الدولى، وهذا القرار يؤكد الخلط الواضح للدين بالسياسة، فترامب ينتمى لليمين الدينى المساند لإسرائيل على أسس توراتية، ونصوص تم تفسيرها بعد انتزاعها من سياقها التاريخى والحضارى، ولذا تم تفسيرها بطريقة خاطئة لتحقيق المطامع الإسرائيلية.
يخطئ من يظن أن الحركة الصهيونية العالمية هى حركة مسيحية بروتستانتية، وأنها نشأت فى أعقاب حركة التصحيح البروتستانتى فى القرن السادس عشر، فنحن نرفض الربط الخاطئ بين الحركة الصهيونية والإصلاح الدينى البروتستانتى الذى قام فى أوروبا على موجات فى القرن الخامس عشر، واكتمل فى القرن السادس عشر. فهذا الربط يتناقض تمامًا مع المبادئ والأسس التى قام عليها الإصلاح، وكذلك يتعارض مع ما نادى به المصلحون، ففى عصر الإصلاح كتب مارتن لوثر كتابًا ضد اليهود عنوانه «اليهود وكذبهم»، جاء فيه أن مجامعهم يجب أن تحرق ولا يبقى أى أثر منهم، وكتاب صلواتهم يجب أن يزال من الوجود، ويجب أن يطردوا خارجًا باستمرار.
وهذا ما نفذه أتباعه وطردوا اليهود، وأغلقوا مجمع برلين عام ١٥٧٢م. وعلى ما يبدو أن تعليمات لوثر هذه كانت بدايات الأفران والهولوكست، وكان كالفن - أبوالفكر الإنجيلى المشيخى - أقل حدة من لوثر فى موقفه من اليهود، لكنه لم يقبل بوجودهم وطردهم من مناطق نفوذه، ومع اضطهاد البروتستانتية لليهود، ازدادت الهوة بين المسيحية واليهودية ورسخت مفاهيم الجيتو اليهودى، حتى إن الكنيسة كانت تقيم أسوارًا تفصل بين الأحياء اليهودية وما يحيطها من أحياء أخرى، وتضع بوابات ذات حراسة لمنع خروج اليهود من هذه الأحياء، إلا بإذن خاص من الكنيسة، وفى هذا الجيتو كانت بوادر إحياء عقيدة المسيا المنتظر تظهر لتحيى فى اليهود رجاء العودة لأرض الموعد. من ثم فإن الصهيونية لم تكن حركة مسيحية بروتستانتية، ولكنها جاءت كحركة سياسية علمانية لتساعد فى حل مشكلة يهود الشتات، والصحفى النمساوى ثيودور هرتزل الذى نشر كتابه «الدولة الصهيونية» عام ١٨٩٦م والذى تبعه بإقامة المؤتمر الأول للصهيونية عام ١٨٩٧م فى بازل بسويسرا، لم يعط أهمية للمكان، بل ركز على القومية اليهودية وتحقيق حلم أن تكون لهم دولتهم الخاصة، واستطاع أن يجذب الأوروبيين لمساندته، إذ أكد لهم أن دولة اليهود سوف تخلص أوروبا من مشكلتهم، وسوف تخلص اليهود من مشكلتهم، وكانت هناك عدة أماكن مقترحة هى: الأرجنتين، الشرق الإفريقى، العريش، موزمبيق، ليبيا، قبرص ولم تكن فلسطين هى غاية هرتزل مؤسس الصهيونية. فهو كان يرى أن الشعب هو الأساس الذاتى للدولة والأرض هى الأساس الموضوعى لها، وكذلك فلم يكن لهرتزل أو غيره من مؤسسى الصهيونية أى اهتمام باليهودية كديانة، بل إنهم كثيرًا ما أظهروا العداء تجاه الأفكار والشعائر والعبادة اليهودية، وقد حدد بن جوريون وظيفة الدين فى الدولة اليهودية فى قوله إن الدين هو وسيلة مواصلات فقط، ولذلك يجب أن نبقى فيها بعض الوقت لا كل الوقت.
ثانيًا: يوجد بروتستانت فى العالم، لا يؤمنون بالتفسير الحرفى لنبوءات التوراة التى تخدم المصالح الصهيونية، والكنيسة الإنجيلية المشيخية فى مصر تنادى بأن دولة إسرائيل الحديثة التى سبقت قيامها ضغوط قوى سياسية دولية كثيرة حتى صدور وعد بلفور‏ ١٩١٧‏ وتصويت الأمم المتحدة على تقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية ‏١٩٤٧‏ وقيام الكيان الإسرائيلى ‏١٩٤٨ ‏باعتراف فورى أمريكى سوفيتى- لا علاقة لها على الإطلاق بنبوءات الكتاب المقدس، فالإنجيليون المشيخيون فى أمريكا وأوروبا ومصر يؤمنون بأن دولة إسرائيل الآن لا علاقة لها على ضوء الدراسة التاريخية اللاهوتية من قريب أو من بعيد بالنبوءات القديمة، والتى تحققت فعلًا فى إطارها الزمنى فى العهد القديم، ‏‏واكتملت فى دلالتها الروحية فى العهد الجديد، ‏وإن كل ما يقال حول عودة اليهود الآن، وربط ذلك بهذه النبوءات، ثم بمجىء المسيح ثانية، وإقامة الهيكل ومعركة هرمجدون ونهاية العالم إلى آخره- هو فكر لبعض الفرق، ‏‏وهذا الفكر لا يتفق مع اللاهوت الكتابى، ولا يتفق كذلك مع عقائد الكنائس المسيحية الرسمية فى كل العالم.. وللحديث بقية.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف