اللواء د. محسن الفحام
تزوير التاريخ.. صناعة يهودية
فى الوقت الذى تقف فيه مصر ضد قرار الرئيس الأمريكى «ترامب» باعتبار القدس عاصمة لإسرائيل.. ويعلن كل من فضيلة شيخ الأزهر والبابا تواضروس رفضهما استقبال نائب الرئيس الأمريكى عند زيارته للبلاد- نجد أن هناك بعض الأصوات - وللأسف - من شخصيات عربية تشير إلى أن لإسرائيل الحق فى اعتبار القدس عاصمة لها لأنها فى الأصل يهودية.. الأمر الذى أثار استياء واستهجان أبناء الدول التى ترددت فيها تلك الاجتهادات المرفوضة.
إذا نظرنا إلى أول هذه التصريحات نجد أنها صدرت من الإعلامى الكويتى عبدالله الهدلق والذى أعلن بكل صراحة - ولا أعلم من أين أتى بتأكيد ذلك.. أن القدس فى الأصل يهودية وأن العرب هم من انتزعوها وفرضوا فيها الدين الإسلامى مع الفتوحات الإسلامية. ثم جاء السعودى عبدالحميد الحكيم، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط فى جدة، حيث أعلن أنه يجب أن يدرك العرب أن القدس رمز دينى لليهود، وهو مقدس كقداسة مكة والمدينة للمسلمين، وأنه يجب على العقل العربى أن يتحرر من الموروث الناصرى وموروث الإسلام السياسى بشقيه السنى والشيعى الذى غرس ثقافة كراهية اليهود وإنكار حقهم التاريخى فى المنطقة. الأمر الذى لاقى غضبًا سعوديًا على المستوى الشعبى، وسارع العديد من الشعب السعودى الأصيل بالتصدى لما قاله مدير مركز الدراسات. أما فى مصر وفى لقاء مع الإعلامى عمرو أديب فقد صرح الكاتب يوسف زيدان بأحقية اليهود فى بناء هيكل سليمان، من منطلق أن القدس ولدت يهودية، وأن اليهود هم أصل التوراة من بنى إسرائيل.. فى حين أن التاريخ الصحيح يشير إلى أن اليهود ليسوا جميعًا من بنى إسرائيل.. بل هم من الفئة الضالة من أهل التوراة فى بنى إسرائيل منذ أيام سيدنا موسى.. وهم الذين حاربوا المسيح عيسى ابن مريم والحواريين عندما جاء بالإنجيل. أما بنو إسرائيل فهو مصطلح مجتمعى يُطلق على قوم عاشوا فى مصر وحولها منذ زمن بعيد.. بل إن منهم من أسلم حتى من قبل أن يُبعث سيدنا محمد برسالة الإسلام والدليل على ذلك ما جاء بالآية الكريمة رقم ١٣٦ من سورة البقرة «قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتى موسى وعيسى وما أوتى النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون»، صدق الله العظيم. اليهود هم المسئولون عن تحريف التوراة، وهم من نكلوا وعذبوا سيدنا عيسى، إلى أن رفعه الله تعالى للسماوات.. إذن هناك فارق كبير بين اليهود والإسرائيليين.
وبعيدًا عن كل تلك الآراء والتوجهات الفكرية والعقائدية.. حتى بعد أن قمنا بالرد عليها على قدر اجتهادنا.
أتساءل: لماذا تصدر مثل هذه التصريحات والاجتهادات فى الوقت الحالى بالذات..وهل هى تمهيد لإجراءات تعسفية جديدة ضد الشعب الفلسطينى.. أم تمهيد لخلق رأى عام عالمى يهيئ لتبنى مواقف دولية بأن هذا الشعب ليس له الحق فى القدس بالكامل.. ما النوايا الخبيثة من وراء ذلك؟
من المؤكد أننى لست فى موضع يسمح لى بالرد على تلك التصريحات الفجة التى تصدر هذه الأيام حول يهودية القدس.. ولكننى على يقين أن اليهود قد قاموا بتزوير التاريخ حول هذه المدينة المقدسة للمسلمين والمسيحيين قبل اليهود، فإن تزوير التاريخ صناعة احترافية يجيدها اليهود القادرون على تزوير أى شىء وكل شىء.
كما اننى أشعر أن أيادى جماعة الإخوان الإرهابية ليست بعيدة عن تلك التصريحات خاصة تلك التى خرجت من الكويت والسعودية.. وذلك لتأليب الشعوب على حكامها وإحداث وقيعة بينهما. أما هنا فى مصر فإننى أناشد كبار المثقفين والسياسيين أن يكونوا على المستوى المأمول فى إدراك خطورة مثل تلك التصريحات، وما تتطلبه المرحلة من تكاتف وطنى حول القيادة السياسية منعًا لأى اضطرابات أو قلاقل قد تُحدثها هذه الآراء بين فئات الشعب المختلفة، خاصة شبابنا الوطنى الغيور على دينه ومقدساته، مسلمًا كان أم مسيحيًا.. أما وسائل إعلامنا فيجب أن تكون أيضًا على قدر المسئولية فى تداول مثل هذه الآراء، وأن يتم تناول الصورة الكاملة لحقائق الأمور، وليس فى صورة موضوعات مجتزأة، لأنه من الأهمية بمكان أن ندرك حجم الأخطار المحيطة بنا حاليًا، وما يتطلبه ذلك من جدية ويقظة واصطفاف وطنى لا يغادر فردًا واحدًا، خاصة على ضوء ما تحاول جماعة الإخوان الإرهابية مع عملاء الخارج أن تحدثه لمحاولة التأثير فى الدولة بكل الطرق والسبل الممكنة التى لا تخفى على أحد حتى ولو كان ذلك على حساب الثوابت التاريخية والدينية. أما رجال الدين والأزهر الشريف والكنيسة القبطية المصرية فهؤلاء أيضًا لهم دور لا يُستهان به فى التصدى لمثل هذه المهاترات، وفى محاولات تزييف التاريخ التى لن يأتى من ورائها سوى التوترات الشعبية والتشكيك فى مصداقية الموقف المصرى الواضح والثابت منذ بداية القضية الفلسطينية إلى يومنا هذا.
وتحيا مصر