صدر مرسوم مجلس الاتحاد الروسي، وتم نشره، الإثنين، في الجريدة الرسمية «روسيسكايا جازيتا»، معلنًا بدء حملة الانتخابات الرئاسية الروسية، المقرر إجراؤها في ١٨ مارس المقبل، والتي لا ينافس فيها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلا نفسه!.
بوتين، الذي وصل إلى السلطة سنة ٢٠٠٠، أعلن ترشحه لولاية رئاسية رابعة، لو فاز بها (ومؤكد أنه سيفوز) سيظل على رأس الدولة حتى سنة ٢٠٢٤، بعد أن تم تمديد فترة الرئاسة من أربع إلى ست سنوات، في التعديلات الدستورية التي اقترحها ديميتري ميدفيديف، الرئيس السابق، رئيس الوزراء الحالي، في ٥ نوفمبر ٢٠٠٨، ووافق عليها البرلمان الروسي «الدوما» في ٢٦ ديسمبر من السنة نفسها. وبهذا الشكل، وبعد أن تنتهي السنوات الثماني المقبلة يكون «بوتين» ثاني أطول رؤساء روسيا حكمًا بعد ستالين الذي حكم من ١٩٢٤ وحتى ١٩٥٣ أي لمدة ٢٩ سنة.
يخوض «بوتين» الانتخابات مستقلًا، وليس مرشحًا لحزب «روسيا الموحدة»، الذي أسسه وتزعمه ويقوده حاليًا ميدفيديف، الذي سبق أن تولى الرئاسة (شكلًا، أو كده وكده) في الفترة من ٢٠٠٨ إلى ٢٠١٢ كان خلالها «بوتين» رئيسًا للوزراء، بصلاحيات رئيس، الأمر الذي لا نستبعد تكراره بعد ثماني سنوات. وما يهمّنا الآن هو أن خوض «بوتين» الانتخابات مستقًلا لن يؤثر على النتائج، لأنه لا يستمد شعبيته من شعبية الحزب، بل العكس هو الحاصل، بسبب الطفرات التي شهدتها روسيا داخليًا وخارجيًا خلال فترات رئاسته الثلاث نظريًا والأربع عمليًا.
روسيا شهدت، فعلًا، طفرات أو قفزات، واستطاع «بوتين» أن ينتزعها من مرحلة التهميش التي عاشتها في تسعينيات القرن الماضي وبدايات هذا القرن. واستعاد مكانتها كقوة عظمى أو، على أقل تقدير، دولة ذات وزن، لا يمكن الاستغناء عن دورها في أي تسوية محتملة لملفات عديدة، ويصعب أن تنعقد صفقات أو يتم التفاوض بشأن حل أزمات دون مشاركتها. وصارت مصالح موسكو طرفًا رئيسيًا في أي معادلات أو حسابات. وتمكن من منع توسع «الناتو» و«الاتحاد الأوروبي» شرقًا، وحقق نجاحات في منطقة الشرق الأوسط، وأقام علاقات فعالة مع كل الدول المحورية بالمنطقة، أتاحت له أن يلعب دورًا محوريًا، إن لم يكن حاسمًا، في بلورة موازين القوى الإقليمية، والأهم أنه قطع خطوات مهمة، في الطريق إلى عالم متعدد الأقطاب يجري تشكيله.
قد ينافس بوتين ٢٣ مرشحًا، أعلنوا «إلى الآن» رغبتهم في خوض الانتخابات الرئاسية، بينهم المذيعة كسينيا سوبتشاك، وفلاديمير جيرينوفسكي، رئيس الحزب الليبرالي الديمقراطي الروسي، وجينادي زيوجانوف، رئيس الحزب الشيوعي الروسي. وقيل إن أليكسي نافالني الذي يوصف بأنه «أبرز معارضي بوتين»، لن يتمكن من الترشح، بعد إدانته بحكم قضائي في قضية اختلاس أموال، قال (وقال آخرون) إنها ملفقة لمنعه من خوض الانتخابات. ولا أعرف كيف استقبل المنافسون المحتملون تصريحات دميتري بيسكوف، المتحدث الرسمي باسم الرئاسة الروسية، الخميس الماضي: «ليس هناك من نضج لينافس الرئيس بوتين أو حتى يقرب من أن يكون منافسًا له»!.
هناك طبعًا، معارضون لترشح «بوتين» لولاية رابعة، وبين الحين والآخر يتظاهر مئات في مدن روسية أهمها العاصمة موسكو وسان بطرسبرج (مسقط رأس بوتين) ضد ترشحه لولاية رئاسية رابعة، وهناك حملة شعارها «لقد سئمنا منه» يقف وراءها ميخائيل خودوركوفسكي، رجل الأعمال الملياردير، الذي أمضى عشر سنوات في السجن، ويعيش في سويسرا منذ أن تم إطلاق سراحه، في ديسمبر ٢٠١٣، ومن فرنسا أطلق في سبتمبر ٢٠١٤ حركة أسماها «روسيا المنفتحة»، ودعا معارضي بوتين إلى التوحد ونبذ الانقسام، غير أن استطلاعات الرأي تقول إن الفارق كبير، كبير جدًا، بين شعبية الرئيس الروسي ومنافسيه.
استطلاع رأي نشره معهد «ليفادا»، المستقل، قال إن ٧٥٪ على الأقل يعتزمون التصويت لصالح «بوتين». وفي استطلاع آخر أجرته مؤسسة الرأي العام الروسية، كانت نسبة التصويت لصالح بوتين ٦٨٪ فقط، و٨٪ من نصيب جيرينوفسكي، ولم يحصل زيوجانوف إلا على ٤٪. بينما كانت المنافسة مشتعلة بين المذيعة كسينيا سوبتشاك والدكتور عبدالله الأشعل والفريق أحمد شفيق على المركز العاشر. وما بعد «بينما» تهريج طبعًا، ويعود إلى أن «سوبتشاك» كانت أول من أعلنت نيتها الترشح للرئاسة، واختارت لحملتها شعار «مرشحة ضد الجميع» وتمارس الألعاب نفسها التي يمارسها غالبية من أعلنوا ترشحهم للرئاسة هنا!.
مثلًا، خلال المؤتمر الصحفي، الذي أعلن فيه «بوتين» اعتزامه الترشح، قالت «سوبتشاك» إنها تتعرض لمضايقات ومحاولات لمنعها من منافسته، وزعمت أن السلطات الروسية قامت بتلفيق قضية جنائية لـ«أليكسي نافالني»، لحرمانه هو الآخر من الترشح للرئاسة. ورد عليها بوتين بأن انتقد شعار حملتها «مرشحة ضد الجميع»، وطالب المعارضة بتقديم برامج عملية، واضحة وإيجابية. وأكد أنه يرحب بالمنافسة ولا يخشى أحدًا. أما «نافالني» فوصفه «بوتين» بأنه «نسخة روسية من ساكاشفيلي»، في إشارة إلى ميخائيل ساكاشفيلي، رئيس جورجيا السابق، الذي يقود الاحتجاجات حاليًا في أوكرانيا ضد الرئيس بيوتر بوروشينكو!.
بوتين إلى الأبد، مع أنه استبعد تعديل الدستور بما يتيح له الترشح لفترة رئاسة خامسة: «كانت لديّ الفرصة، بل إنهم طلبوا مني تعديل الدستور. لكنني لم أفعل ذلك، ولا أنوي أن أفعل ذلك في المستقبل». ومع ذلك، فإن «ميدفيديف» قد يلعب سنة ٢٠٢٤ الدور الذي سبق أن لعبه في ٢٠٠٨، ليظل «بوتين» رئيسًا للوزراء، فرئيسًا للدولة سنة ٢٠٣٠، ووقتها ربما يكون هناك «من نضج» لينافسه، بحسب تعبير المتحدث باسم الرئاسة الروسية!.