سارة شريف
المزيد من أعواد الثقاب المشتعلة على القدس
بعد أشهر ستنتقل السفارة الأمريكية من شارع «هيركون» فى تل أبيب إلى فندق «دبلومات» بطريق الخليل غرب القدس، وبدلًا من أن يرى السفير الأمريكى «ديفيد فريدمان» البحر من نافذة مكتبه سيرى المشهد الجبلى لجنوب غرب القدس.
ينبغى للمرء أن يكون أعمى كى لا يرى الخطوات التى تستعد للاشتعال فى الشرق الأوسط.. فى اليوم التالى للاعتراف الأمريكى بالقدس عاصمة إسرائيل.
الردود العدائية فى العالم العربى والعالم الإسلامى، وما تلاها من ذهول فى المجتمع الدولى، ما زالت تعبر فقط عن المشاعر الدينية المرتبطة بكل خطوة فى القدس، ولا تعتبر الرد الحقيقى الذى تستحقه هذه الخطوة.. لن نفيق إلا بعد أن تتضح نتائج مقامرة ترامب، الذى كان نتنياهو كما يبدو شريكًا له.
من أين سيبدأ الاشتعال؟.. هذا يتوقف على من أين سيبدأ إلقاء أعواد الثقاب؟
المؤشرات تؤكد أن القدس طالما احتوت على المادة المتفجرة الأكبر التى أشعلت إسرائيل ففى أحداث الحرم فى عام 1990، وفى أحداث نفق حائط المبكى فى 1996، وفى الانتفاضة الثانية فى 2000 بدأ الانفجار من القدس
المفتاح لما سيحصل فى الأيام القريبة المقبلة، سيكمن فى السلوك حول «الحرم»، فمن يتحكم فى مستوى اللهب فى الحرم سيتحكم فى مستوى اللهب فى غزة والضفة والقدس بأكملها.. وحتى اليوم بدا واضحًا من استفزاز حماس أنها عادت للملعب بقوة؛ فرجال حماس والحركات الإسلامية يفعلون كل ما بوسعهم كى يتوجه الاحتجاج إلى الاتجاه الدينى، ليقنع الجماهير مرة أخرى أن الأقصى فى خطر، وهو التوجه الذى نجح من قبل فى أزمة البوابات الإلكترونية وانتهت بالخضوع الإسرائيلى، أما هذه المرة فهذه أزمة من دون نقطة نهاية مشابهة. فالاعتراف ليس بوابة سيتم تفكيكها.. حماس تطلق صواريخها وإسرائيل ترد.. والاحتمالات ما زالت قائمة بأن تتدهور الأمور إلى مواجهة عسكرية محدودة.
وبالنسبة لنتنياهو، ذلك المخادع، فإعلان ترامب يمكن أن يشعل مجددًا التوتر بين إسرائيل والفلسطينيين، ويهز صورة بطل الأمن وإنجازاته الكبيرة، وهو الحفاظ على الهدوء الأمنى النسبى فى الساحة الفلسطينية منذ أشهر طوال، ومن جهة أخرى، فنتنياهو هو رجل شعارات ورموز، أكثر مما هو رجل قرارات وأفعال، وبالنسبة لعرشه فجيد تُذكر القدس كعاصمة إسرائيل أهم من إقامة آلاف الوحدات السكنية فى المستوطنات، حتى خصوم نتنياهو الذين يسعون للاستيلاء على منصبه، يرددون مواقفه من دون اعتراض، ويسيرون مساره.
أما ترامب فهو من أطلق القنبلة المسيلة للدموع الأولى، ولكنه فى ذروة تهوره أخذ بحسبانه خطًا ما للرجعة، فترامب امتنع من تحديد حدود القدس، وهو ما يعنى أنه يعطى مساحة للفلسطينيين وللدول العربية بعد الغضب والانفعال، بالعودة إلى المشاركة فى محاولة إحياء العملية السياسية.
المُعضلة التى تواجه نتنياهو تكمن فى خطة ترامب للتسوية، والتى يحضرها فى البيت الأبيض فهى وحدها يمكنها أن تؤدى إلى انهيار الائتلاف الحالى فى إسرائيل، الرافض حل الدولتين وأى مبادرة تقدّم للفلسطينيين، هى فقط وليس تحقيقات الفساد التى تطارد نتنياهو ووقتها ستشتعل الحكومة الإٍسرائيلية وتتدهور الأمور إلى انتخابات برلمانية مبكرة.
تذكروا أن الجمهور الإسرائيلى يريد أن يعيش آمنا مع حكومة فاسدة ولا يعيش مُهددًا فى ظل حكومة نظيفة، وهو ما يعنى أن احتمالًا كبيرًا نجد نتنياهو هو رئيس الوزراء المقبل فى ولاية خامسة له، فنجد أنفسنا خسرانين من توقف المحادثات ومن تعطيل خطة ترامب للسلام وفى النهاية نعود لنتفاوض مع بيبى مجددًا.