الصباح
سليمان جودة
الحوثية استوعبت درس ٣٠ يونيو
لا تريد جماعة الحوثى فى اليمن، أن تستفيد من درس جماعة الإخوان فى مصر.. فالدرس دائمًا هو أن الوطن -أى وطن- أكبر من أى جماعة فيه، حتى ولو كانت هذه الجماعة هى الجماعة الإخوانية عندنا، فيما قبل ٣٠ يونيو ٢٠١٣، أو كانت هى الجماعة الحوثية فى اليمن فيما قبل سبتمبر ٢٠١٤ !
قبل الثلاثين من يونيو، كان الإخوان جماعة سياسية ضمن سائر القوى السياسية فى البلد، وإذا شئنا الدقة فى الكلام، قلنا أن ذلك كان إلى قبل الإعلان عن فوز مرشحهم فى انتخابات الرئاسة عام ٢٠١٢، فقبلها كان المنطق الذى يتكلمون به، هو منطق المشاركة، ولكنه انقلب بعدها إلى منطق المغالبة !
وهو ما لم يقبله المصريون على أنفسهم، ولا على بلدهم، فكان ما كان فى الثلاثين من يونيو، حين سقطت الجماعة من الحكم، كما لم تسقط جماعة من قبل !
منطق المشاركة يعنى أن الإخوان شركاء مع غيرهم فى الوطن، وأن احترامهم لإرادة هؤلاء الآخرين، واجب، بل فريضة، وأن احترام الدستور، من قبل ومن بعد، أوجب !
ولكن الجماعة الإخوانية ألقت بكل هذا وراء ظهرها، بكل أسف، بمجرد فوز مرشحها، ولم يكن هناك ما هو أدل على ذلك إلا الإعلان الدستورى الذى أعلن عنه محمد مرسى.. فلقد كان إعلانًا غير مسبوق فى تاريخ الدول، خصوصًا إذا كنا بإزاء دولة من حجم مصر، ولابد أنه كإعلان دستورى فريد من نوعه، سيجرى تدريسه لطلاب القانون فيما بعد، باعتباره نموذجًا لما يجب على الدول أن تتجنبه !
ولم تختلف الجماعة الحوثية فى اليمن، عن الجماعة الإخوانية فى القاهرة.. ففى سبتمبر من عام ٢٠١٤ فوجئ العالم بالحوثيين يقتحمون العاصمة صنعاء، ويحاصرون رئيسًا منتخبًا اسمه عبدربه منصور هادى، ويحاولون الاستيلاء على المؤسسات الحيوية فى العاصمة !
ولم تكن هذه الحركة المفاجئة من جانبهم، مفهومة على أى مستوى، لأنهم كانوا موجودين طول الوقت فى صعدة فى الشمال اليمنى، ولم يكن أحد ينكر عليهم وجودهم فيها، ولا فى غيرها من مدن اليمن، بشرط أن يحترموا وجود غيرهم من القوى السياسية فى البلد، وبشرط أن يدركوا أنهم شركاء فى بلد، لا أوصياء عليه، ولا على أهله، ولا على مصيره، ولا على مستقبله !
لم يفهموا هذا، ولا يريدون إلى الآن أن يفهموه، ويريدون أن يصبغوا اليمن بصبغة لم يعرفها فى تاريخه، وأن يضعوا على وجهه لونًا لا يناسبه، ولا يليق به، ولا ينطلى عليه !
اليمن بلد عربى، وسوف يبقى كذلك.. وهو كان لكل أبنائه، ولم يكن يومًا لطائفة منهم، دون أخرى، حتى ولو كانت هذه الطائفة تستقوى على الناس كما يفعل الحوثيون هذه الأيام !
ولو وعت الجماعة الحوثية درس الجماعة الإخوانية، لأدركت أن الأوطان ذات التاريخ، مثل مصر، أو اليمن، تستعصى دائمًا على كل محاولات التطويع، لأنها أوطان ذات ثقل ممتد فى عمق التاريخ، ولا يمكن أن تغير جلدها، ولا أن تبدل شخصيتها بهذه السهولة !
لا يمكن !
لا يمكن.. لأنه من المستحيل اختزال دولة فى جماعة من بين جماعاتها، مهما كان حجم هذه الجماعة، وسواء كانت هى الجماعة الإخوانية فى القاهرة، أو كانت هى الجماعة الحوثية فى صنعاء.. فالعاصمتان أكبر من كل الجماعات، لأن الأوطان بطبيعتها أكبر من أن تكون لجماعة دون غيرها من أبناء الوطن الواحد !
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف