ضجة في الوسط الإعلامي المصري اليوم بعد الإعلان عن بيع رجل الأعمال أحمد أبو هشيمة مجموعة قنوات أون تي في ، وكامل حصته في إعلام المصريين المالكة لعدد من الصحف والقنوات والمواقع الالكترونية أشهرها صحيفة وموقع اليوم السابع ، الضجة سببها الأساس هو المفاجأة ، لأنه لم يسبقها أي إشارات أو مؤشرات ، وأبو هشيمة لم يقصر في شيء ، كما أن من بين الأسباب هو الجهة التي انتقلت إليها ملكية المجموعة الإعلامية ، والتي تديرها الدكتورة داليا خورشيد ، وزيرة الاستثمار السابقة وحرم رئيس البنك المركزي حاليا والممثلة لشركة "إيجل كابيتال" المحسوبة على جهة رسمية ، وفي الأحوال العادية ، تكون مثل هذه الصفقات مفهومة ومبررة ومعلنة بالتفاصيل والأرقام ، ولكن في ظروف مصر يكون لها هذا الضجيج .
الإعلام الخاص في مصر خلال السنوات الخمس الماضية له وضع مختلف إلى حد كبير عما سبقه ، خاصة وأنه منذ العام الثاني لثورة يناير وقد دخلت أموال طائلة من دولة خليجية إلى سوق الإعلام بشكل خاص ، ويمكن القول بدون مبالغة ولا تكلف أن تسعين في المائة من المال الإعلامي في مصر من لحظتها وحتى الآن هو إماراتي ، بصورة مباشرة ، والأمر نفسه حدث في ليبيا وفي تونس ، حيث أسست الإمارات بشكل مباشر أو عبر "واجهات" محلية أو "وكلاء" ، عددا من القنوات التليفزيونية والصحف والمواقع الالكترونية ، لأنها رأت أن الاستثمار في هذا الجانب هو استثمار في السلطة الأهم في معركة الربيع العربي ، غير أن هذا "النهر" المالي لا يمكن أن يمر بدون إذن وموافقة أطراف أخرى رسمية ، ومعظم هذه "الشبكات" الإعلامية لا تعمل وفق منطق اقتصادي عادي ، فهي خاسرة بالمنطق الاقتصادي مع سخاء من لا يخشى الفقر رغم ذلك ، وبعض عقودها واتفاقاتها تتم من خلال "كلمة شرف" ، وبعضها يتم عن طريق واجهات أو وسطاء أو موظفين برتبة "مالك" .
الإنفاق الإماراتي في مصر كان سخيا بصورة لا تصدق ، وكان الهلع من توابع الربيع العربي ، وخاصة بعد وصول الإخوان لمنصب الرئاسة دافعا لفعل أي شيء من أجل وقف كل هذا المسار السياسي ، ولتقريب المعنى للقارئ ، فإن صحيفة "مصرية" خاصة من تلك الصحف التي أسستها الإمارات كان يتقاضى رئيس تحريرها ، فقط رئيس التحرير ، راتبا شهريا أكبر من مجموع رواتب جميع العاملين في صحيفة المصريون من أول رئيس تحريرها وحتى عامل البوفيه ، كما تم توزيع الأدوار من خلال القنوات الفضائية الجديدة ، حيث كان يتم "تسكين" كوادرها الرئيسية من نفس شبكة الصحف التي تتبعها ، سواء كمذيعين أو معدين برامج أو رؤساء تحرير للشبكات ، وبعض المكاتب الإعلامية التي أسسستها الإمارات عمل فيها بعض "كبار" المسئولين المصريين الحاليين في مناصب لها حساسية ، وهذا يشمل شخصيات رفيعة للغاية في قطاعات عديدة ، إعلامية ، و"قانونية" وغيرها ، كما تحولت أبو ظبي إلى "الكعبة" التي يحج إليها إعلاميون ومثقفون مصريون بانتظام شبه أسبوعي ولأسباب غير مفهومة ولا معلنة .
الهيمنة الإماراتية على الإعلام الخاص لم تكن مرضية لجزء مهم من الأجهزة المصرية ، رغم أن "الهدف" واحد ، لكن بعض الممارسات الفجة كان فيها فرض وصاية غير لائقة ومستفزة ، خاصة من قبل وزير الدولة "سلطان الجابر" الذي كان يوصف في أبو ظبي بأنه "سلطان مصر" ، لسيطرته على قطاعات واسعة من الإعلام ومشروعات أخرى ، ويذكر المتابعون لهذا الملف كيف كانت تنشر صور محمد دحلان ، المستشار الأمني للشيخ محمد بن زايد ، وهو يرأس اجتماعات مجلس تحرير صحيفة مصرية معروفة.
التحرك الأخير في اعتقادي ، يأتي في سياق جهود حثيثة "لتمصير" شبكة الإعلام الإماراتي في مصر ، وإخضاعها بشكل مباشر للإدارة المصرية ، وإنهاء هذه "السيولة" الإعلامية والسياسية التي يمكن أن تربك أصحاب القرار في مصر ، أو تجعل الكثير من الحسابات رهينة بمعرفة "نوايا" أبو ظبي تجاه بعض الملفات الحساسة في مصر ، مثل الانتخابات الرئاسية ، أو استعادة مصر لدورها التاريخي في الملف الفلسطيني ، بقطع النظر عن الحسابات الإماراتية وموقع القيادي الفلسطيني محمد دحلان ، مستشار الشيخ محمد فيها .