هانى عسل
منتخب مصر فى «مدينة الرعب»!
فى البداية، لم أشعر بارتياح، عندما قرأت خبرا يفيد بأن منتخب مصر اختار مدينة «جروزني» عاصمة جمهورية الشيشان الروسية لتكون مقرا لإقامته طوال فترة مونديال 2018!
فمعلوماتى «القديمة» عن مدينة «الرعب» أو المدينة «الغاضبة» كما يعنى اسمها باللغة الشيشانية، تقول إن جروزنى كانت قبل نحو عقدين فقط ساحة معارك لواحدة من أشرس حروب العصر الحديث، حرب الشيشان، وذلك عندما تدخل الجيش الروسى بقوته وعتاده برا وجوا لقمع الحركة الانفصالية التى قادها المقاتلون الشيشان فى تلك الجمهورية بهدف إقامة دولة «إسلامية» فى جنوب روسيا الاتحادية.
سنوات لا تنسى مرت على الشعب الشيشاني، وعلى العاصمة جروزنى تحديدا طوال سنوات الحرب هذه، بكل ما فيها من قصف ومعارك ودمار ودبابات وعمليات قنص وخطف وإسقاط طائرات.
أسماء لا تنسى أيضا تصدرت عناوين وسائل الإعلام العالمية لسنوات، طوال فترة التسعينيات، ومع بداية الألفية، جوهر دوداييف، وشامل باساييف، وأصلان ماسخادوف، وغيرهم من القادة الميدانيين والمقاتلين الشيشانيين الذين يوصفون بأنهم «الأشرس» فى العالم.
عمليات تفجير واغتيال مرعبة وقعت داخل العمق الروسي، أشهرها على الإطلاق عملية اقتحام مسرح البولشوى فى قلب موسكو واحتجاز وقتل رهائن، وأغربها حملة شيشانية لتفجير العمارات السكنية فى المدن الروسية!
حركات انفصالية أخرى ظهرت فى جمهوريات إسلامية جنوب روسيا، مثل داغستان وأنجوتشيا، وهددت بمزيد من التفكك لما تبقى من الإمبراطورية الروسية القديمة.
آخر صور نشرت لجروزنى فى هذه الحرب لا تختلف كثيرا عن صور حلب الآن، أو حماة، أو صنعاء، أو مصراتة، أو الموصل.
ولكن الآن، كل هذا أصبح من الماضي، وصور الدمار والدماء فى جروزنى تحولت فى غضون سنوات قليلة إلى صور حضارة ومدنية ومناظر طبيعية خلابة، بعد أن نجح «الداهية» فلاديمير بوتين فور مجيئه إلى السلطة عام 2000 فى القضاء تماما على الحركة الانفصالية، مستخدما قوة السلاح وقوة المفاوضات معا، لتحتفظ الشيشان بوضعها كجمهورية روسية تتمتع بالحكم الذاتى فى جنوب البلاد، وتستمتع أيضا بعائدات ثروات بترولية هائلة مكنتها من نسيان فكرة الانفصال، وتجاوز سنوات الحرب والكراهية، ثم تطوير بنيتها التحتية، وإعادة بناء ما دمرته الحرب.
صحيح أن الشيشان ما زالت موضع قلق من الناحية الأمنية لروسيا حتى يومنا هذا، خاصة وأن هناك كثيرا من الأنباء المتضاربة حول الجهة التى ذهب إليها المقاتلون الشيشان بعد سنوات الحرب، فمنهم من قال إنهم كانوا يشكلون «القوة الضاربة» لداعش فى سوريا والعراق، ومنهم من قال إنهم بدأوا يعودون إلى دول آسيوية، أو دول أخرى، وتقارير غربية ذهبت إلى العكس، فرجحت أن يكون بوتين قد استخدم المقاتلين الشيشان كمرتزقة لدعم قواته والأسد على الأرض فى سوريا!
وأيا كانت صحة هذه المعلومات، فإن المؤكد أن هؤلاء المقاتلين غير موجودين الآن فى الشيشان، ولم يعد لهم دور، وغير قادرين على العودة فى ظل الإجراءات الأمنية المشددة التى تتخذها الأجهزة الأمنية الروسية، بالتعاون مع الإدارة الشيشانية نفسها، التى لم تعد تفكر فى الانفصال والحروب، بعد أن ذاق الشيشان بأنفسهم حلاوة الاستقرار والتنمية والازدهار، والدليل اختيار جروزنى نفسها لتكون واحدة من مدن استضافة منتخبات كأس العالم، ووصل الأمر لدرجة أنها ستكون مقرا لإقامة منتخب «الفراعنة» تحديدا طوال فترة البطولة!
جروزنى الآن واحدة من أجمل مدن العالم، إذ تجمع بين الطبيعة الخلابة، والمظاهر الحضارية، وعلامات «الثراء» فهى بجانب شعبها الطيب، تزخر بالمساجد الضخمة الأنيقة، والقلاع التاريخية العملاقة، بجانب ناطحات السحاب والسيارات الحديثة والمصانع الكبري.
المعلومات تقول إن «كوبر» تحديدا هو صاحب قرار اختيار جروزنى مقرا للمنتخب، رغم بعد المسافات عن المدن الروسية التى سيلعب بها «الفراعنة» مبارياتهم الثلاث، والسبب أن المدرب الأرجنتينى فضل وجود اللاعبين فى مكان مقرب ومحبب إلى قلوبهم وعاداتهم وتقاليدهم، خاصة وأن فترة الإقامة هناك ستشمل أياما من شهر رمضان، وأيام عيد الفطر، والأهم من ذلك أن جروزنى بعيدة جدا عن صخب وترف المدن الكبيرة مثل موسكو وسان بطرسبرج، وهو ما يساعد اللاعبين على التركيز والهدوء، وأيضا كسب مساندة الشيشانيين أنفسهم، الذين يميل معظمهم إلى الإسلام المعتدل، وكانوا قد استقبلوا شيخ الأزهر بحفاوة كبيرة عندما زار جروزنى العام الماضي، ولكن قبل أن تقع مشكلة لاحقة بسبب قرارات مؤتمر «السنة والجماعة» هناك! .. عموما .. خلونا فى المونديال .. وأهلا بــ«الفراعنة» فى جروزني، وربنا يسترها معانا، كرويا وأمنيا!