ماجد حبته
لماذا لم نتجنب «الفيتو» الأمريكى؟!
الإجابة ببساطة، هي أننا لم نكن نستطيع، ولأن ميثاق الأمم المتحدة لا يتيح لنا أو لغيرنا ذلك. واسأل من خدعوك فقالوا إنه كان من الممكن تجنب «الفيتو» لو أشار مشروع القرار المصري إلى القرار الأمريكي. اسأل هؤلاء، ومن رددّوا خلفهم تلك الأسطورة، عن سابقة في تاريخ مجلس الأمن امتنعت فيها إحدى الدول الخمس دائمة العضوية عن التصويت على مشروع قرار يتعلق بأزمات، مشكلات، أو نزاعات كانت طرفًا فيها. وغير أن الفقرة الثالثة في المادة ٢٧ من الفصل الخامس، جعلت الامتناع عن التصويت مقصورًا على قرارات بعينها دون غيرها، فإن التباس الصياغة لم يوضح ما إذا كان الشرط ينسحب على الدول الخمس دائمة العضوية أم لا؟.
هكذا، يكون ما قالته الأسطورة يصطدم بما قاله ميثاق الأمم المتحدة، كما أنه يخاصم تاريخ المنظمة الأممية وواقع الممارسات الفعلية. وبمزج الميثاق بالتاريخ بالواقع، ستكتشف أن ما قالته الأسطورة، مجرد كلام فارغ لا أصل له ولا أساس. ولو بدأنا بما يقوله الميثاق، ستجد نص الفقرة يقول: «تصدر قرارات مجلس الأمن في كل المسائل الأخرى (أي غير الإجرائية) بموافقة أصوات تسعة من أعضائه يكون من بينها أصوات الأعضاء الدائمين متفقة، بشرط أنه في القرارات المتخذة تطبيقًا لأحكام الفصل السادس والفقرة ٣ من المادة ٥٢ يمتنع من كان طرفًا في النزاع عن التصويت».
صياغة الفقرة، باللغتين الإنجليزية والفرنسية (والعربية بالمرة)، ملتبسة، وهذا الالتباس، أدى مثلًا إلى اعتقاد الاتحاد السوفييتي سنة ١٩٥٠ أن سيبطل مشروع قرار بعدم الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية، إذا امتنع عن حضور الجلسة. إلا أن مجلس الأمن لم يعتد بعدم وجود ممثل الاتحاد السوفييتي، وتمت الموافقة على مشروع القرار، مع أن النص يشترط موافقة الأعضاء الخمسة الدائمين. ومع ذلك، ظل المجلس يتعامل بالصيغة نفسها، ويمرر أي قرار في حالة عدم وجود أحد ممثلي الدول الخمس، ليصبح شرط إسقاط القرار هو استخدام الفيتو، بغض النظر عن نص المادة التي توجب موافقة تسع دول بينها الخمس. وكانت تلك الصيغة أو هذه القاعدة المستحدثة التي استخدمتها الولايات المتحدة لاستصدار قرارات أتاحت لها التدخل في الحرب الكورية.
غير التباس الصياغة، فإن الفقرة، كما أوضحنا وكما هو واضح، تجعل الامتناع عن التصويت يقتصر فقط على القرارات التي يتم اتخاذها طبقًا لأحكام الفصل السادس والفقرة ٣ في المادة ٥٢ من الفصل الثامن، التي تقول: «على مجلس الأمن أن يشجع على الاستكثار من الحل السلمي لهذه المنازعات المحلية، بطريق هذه التنظيمات الإقليمية أو بواسطة تلك الوكالات الإقليمية بطلب من الدول التي يعنيها الأمر أو بالإحالة عليها من جانب مجلس الأمن». ولو سألتني عن أحكام الفصل السادس، سأقول لك إنها توجب «على أطراف أي نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر أن يلتمسوا حله بادئ ذي بدء بطريق المفاوضات والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو أن يلجأوا إلى الوكالات والتنظيمات الإقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية التي يقع عليها اختيارها».
إذا لم تكن لاحظت أن المجلس يشترط على أطراف النزاع، أن تستنفد كل الوسائل السابقة، فأتمنى أن تنتبه إلى وجود مادة تقول إن «لمجلس الأمن أن يفحص أي نزاع أو أي موقف قد يؤدي إلى احتكاك دولي أو قد يثير نزاعًا لكي يقرر ما إذا كان استمرار هذا النزاع أو الموقف من شأنه أن يعرض للخطر حفظ السلم والأمن الدولي». و«على مجلس الأمن أن يراعي ما اتخذه المتنازعون من إجراءات سابقة لحل النزاع القائم بينهم». و«على مجلس الأمن وهو يقدم توصياته وفقًا لهذه المادة أن يراعي أيضًا أن المنازعات القانونية يجب على أطراف النزاع - بصفة عامة - أن يعرضوها على محكمة العدل الدولية».
طيب، هل الولايات المتحدة طرف في «نزاع من شأن استمراره أن يعرض حفظ السلم والأمن الدولي للخطر»؟!. وهل تم استنفاد كل الوسائل المنصوص عليها في أولى مواد الفصل السادس؟!. وهل قام المجلس بفحص النزاع أو الموقف وقرر ما إذا كان هذا النزاع أو الموقف من شأنه تعرض السلم والأمن للخطر؟!. وهل هناك إجراءات سابقة اتخذها المتنازعون؟! وبافتراض حدوث ذلك كله، هل الولايات المتحدة، وباعتبارها من الدول الخمس دائمة العضوية، ينسحب عليها الشرط الذي توجبه الفقرة المشار إليها؟!.
بعد كل هذا «الوَش» ووجع الدماغ، فإن التاريخ يقول إن شرط الامتناع عن التصويت لو كان في المطلق، ما سقط بـ«الفيتو» الفرنسي البريطاني سنة ١٩٥٦ مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة لوقف إطلاق النار خلال «العدوان الثلاثي» شاركت فيه الدولتان ضد مصر. وما استخدمته فرنسا سنة ١٩٧٦ ضد مشروع القرار يتعلق بخلافها مع جزر القمر. وأيضًا ما استخدمته الولايات المتحدة سنة ١٩٨٦ ضد سبعة قرارات تدين حربها (حرب أمريكا يعني) على نيكاراجوا، وقبلها استخدمته خمس مرات بشأن فيتنام. ومرة بخصوص بنما، في ١٩٨٩ وأخرى لرفض إدانة الغزو الأمريكي لـ«جرينادا». كما استخدمته مرة في ١٩٨٩ أيضًا لإسقاط مشروع قرار ضد قيام القوات الجوية الأمريكية بقصف ليبيا.
هناك أمثلة أخرى على استخدام واحدة أو أكثر من الدول الخمس لـ«الفيتو» ضد مشروعات قرارات كانت طرفًا فيها. وعليه، فلو كنت من ضحايا الأسطورة التي روجت لها «الجزيرة» وغلمانها، يكون عليك أن تغسل دماغك سبع مرات إحداهن بالتراب!.