عبد القادر شهيب
شيء من الامل - إدمان الشك سياسيا !
بينما اعتبرت نيكي هايلي مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة تقدم مصر بمشروع القرار الخاص بالقدس لمجلس الأمن ومناقشة هذا القرار داخله هو بمثابة إهانة للأمريكيين لا يمكن أن ينسوها أبدا، فقد خرج علينا البعض يتهم مصر بأنها تعمدت إفساد هذا القرار ومنع مجلس الأمن من إصداره، عندما منحت الولايات المتحدة فرصه لاستخدام حق الفيتو الذي تتمتع به الدول الخمس الكبري في المجلس ضد هذا القرار.. لأنه خلا من الإشارة إلي الولايات المتحدة وقرارها الخاص بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفاراتها إليها، في الوقت الذي تنص فيه الفقرة الثالثه من المادة ٥٢من ميثاق الأمم المتحدة علي امتناع من كان طرفا في النزاع عن التصويت.
وهذه قراءة غير سليمه ليس لميثاق الأمم المتحدة فقط وإنما للواقعة محل النقاش، وهي مشروع القرار الذي أعدته مصر وصاغته وتقدمت به باسم المجموعة العربية كلها في الأمم المتحدة إلي مجلس الأمن، حول (عدم الاعتراف بأية قرارات تستهدف تغيير وضعية مدينة القدس، باعتبارها مدينة محتلة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد يونيو ٦٧، مثلها كبقية أراضي الضفة الغربية التي توافق العالم علي اعتبارها أراضي الدولة الفلسطينية).
فما تتضمنه تلك الفقرة من المادة ٥٢ من ميثاق الأمم المتحدة حول امتناع طرفي النزاع عن التصويت لا ينطبق علي الولايات المتحدة بخصوص التصويت علي مشروع القرار المصري.. فهي ليست في نزاع بالمعني القانوني مع مصر او أية دولة من الدول الأعضاء الآن في مجلس الأمن.. نعم هناك خلاف وحاد بين مصر وأمريكا حول قرار ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ولكن مجال هذا الخلاف العلاقات الثنائية مع أمريكا، وأعضاء مجلس ألأمن ما كانوا سوف يمنعون أمريكا من ممارسة حق الفيتو هنا، حتي ولو اعتبروا قرارها بخصوص القدس كارثيا وسوف يدمر عملية السلام ويكرس الاحتلال الإسرائيلي، ويعطل حصول الشعب الفلسطيني علي حقوقه المشروعه في الاستقلال.. ولعل مندوبة أمريكا كانت تقصد ذلك عندما قالت بعد صدمة التصويت علي مشروع القرار المصري التي أوضحت العزلة الأمريكيه دوليا، أن بلادها لن تسمح بأن يفرض عليها أين تضع سفارات بلادها. والدبلوماسية المصرية العريقة والمحترفة راعت وهي تصوغ مشروع قرارها ان يحظي بموافقة كل أعضاء مجلس الأمن، فاتهمت بأن تكون الصياغة تتوافق مع قرارات سابقه للمجلس بخصوص الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة القدس.. وليس سرا ان مصر صاغت مشروع قرارها بعد التشاور مع كل أعضاء المجلس باستثناء أمريكا ليحظي بتأييدهم له.. لذلك ليس مقبولا ان يقول البعض أن مصر تعمدت ألا يذكر اسم أمريكا فيه حتي تمنحها فرصة استخدام حق الفيتو لرفضه !.. ومن الخطأ الفادح ان يتمادي البعض في الخصومة السياسية لدرجة اهدار الموضوعيه وترديد مثل هذا الكلام الغريب.. كما لا يصح ان نستسلم لإدمان الشك سياسيا علي هذا النحو المرضي !.
ولو تابع هؤلاء الغضب الأمريكي الذي عبرت عنه مندوبة أمريكا بعد التصويت علي القرار المصري، لما قالوا هذا الكلام الغريب، خاصة وأن مندوبة أمريكا وجهت فيما قالته تهديدات مبطنة لنا، عندما اعتبرت ما حدث في مجلس الأمن إهانة لأمريكا. وقد أفصحت صحيفة النيويورك تايمز عن بعض هذه التهديدات، وهي خفض المساعدات العسكرية لمصر بأكثر من النصف.