الأخبار
ايهاب الحضرى
بالشمع الأحمر - التدخين مفيد لـ «الصحة»!
نملك القدرة علي الجمع بين متناقضين في سياق واحد، دون أن نشعر بأدني مشكلة، لهذا ليس مُستغربا أن نلجأ إلي جيوب المدخنين دائما، لدعم ميزانيات الصحة! تطبيقا لقول الشاعر أبي نواس الشهير »وداوني بالتي كانت هي الداء»‬!!
قبل نحو شهر شهدت أسعار السجائر زيادة مفاجئة، نتيجة فرض ضرائب عليها يتم توجيهها لتطوير قطاعي الصحة والتعليم، وأثبت المدخنون أنهم من أكثر فئات الوطن إيجابية ووعيا بالدور المجتمعي الذي ننادي دوما بتفعيله، حيث ساهموا بـ»‬أنفاسهم» في رفع إيرادات الدولة أربعة مليارات جنيه، منذ فرض الضريبة الجديدة حتي نهاية العام المالي فقط! ويبدو أن البعض رأي ضرورة استغلال هذا الحس الوطني العارم بشكل أكبر، فقرر البرلمان قبل أيام فرض 75 قرشا علي كل علبة سجائر، لصالح تمويل التأمين الصحي خلال مناقشة قانونه الجديد، مع العلم بأن هناك 50 قرشا يتم تحصيلها حاليا بالفعل للتأمين الصحي »‬القديم»، وعانت الهيئة المسئولة عنه الأمرّين قبل عامين، وهي تطالب »‬المالية» بملياري جنيه تم جمعها باسمها لدعم علاج محدودي الدخل! والغريب أنه تم إقرار الزيادة الجديدة رغم أن رئيس البرلمان اشتم شبهة عدم دستوريتها.
دائما تبقي قدرتنا علي صنع المفارقة إنجازا ينبغي أن نفتخر به! فالوزارة التي يجب أن تُكثف جهودها لإقناع المدخنين بالإقلاع عنه، سوف تعتمد علي مليارات سجائرهم لدعم ميزانياتها! وهو ما يخلق تعارضا حادا بين الهدف والمصلحة. وفي نسق يقوم علي تعارض المصالح يطرح السؤال نفسه: هل يتمسك وزير الصحة في هذه الحالة بتصريحاته التي أطلقها في يوليو الماضي، وأكد فيها علي تفعيل قرار حظر التدخين في المنشآت العامة، وتوقيع غرامات علي المخالفين تتراوح بين خمسين وعشرين ألف جنيه؟ وهل سيظل قطاع الطب الوقائي بالوزارة يقدم خدماته للراغبين في الإقلاع عن التدخين مجانا، فيُغلق مغارة علي بابا التي تدر عليه ثروة هائلة؟ إن استمرار »‬الصحة» في رفع شعار »‬التدخين يُدمّر الصحة ويُسبّب الوفاة» سيجعلها تفقد جانبا مهما من مصادر تمويلها، إلا إذا كانت تراهن علي أن تحذيراتها من عينة» ويل للمدخنين» لن تنال من إخلاص أصحاب المزاج لسجائرهم، وأعتقد أنه رهان رابح، لأن الجهاز المركز للتعبئة والإحصاء أكد العام الماضي أن 93% من المدخنين يلاحظون التحذيرات المدونة علي علب السجائر، لكنهم غالبا لا يستسلمون لمحاولات الوقيعة مع أعمدة الدخان التي أدمنوها! وفي كل الأحوال أعتقد أن عبارات التحذير تحتاج إلي إعادة صياغة، تتيح لها القيام بهدفها دون أن تؤثر علي ملايين العلاج المستهدفة، لتصبح مثلا: »‬دمر حياتك تنقذ حياة آخرين»، »‬دخن أكثر تساهم في إنقاذ مزيد من الأرواح»، »‬التدخين يقتلك.. والإقلاع عنه يسلب المرضي حياتهم»!
ما اقترحته يظل بالتأكيد مجرد نماذج استرشادية، يمكن تطويرها للوصول إلي عبارات أكثر تأثيرا، تُقنع المدخن بأضرار عادته السلبية، وتوضح في الوقت ذاته تأثيراتها المجتمعية الإيجابية، بما يجعله يشعر أنه لا يفقد حياته مجانا، بل يقدم تضحية بالغة الأهمية لمحدودي الدخل، وهو ما يُنقذ الوزارة من حيرتها بين الهدف والمصلحة، وتصبح النتيجة في النهاية أن التدخين مفيد جدا لـ »‬الصحة» كوزارة، حتي لو أدي إلي وفاة آلاف المواطنين سنويا!

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف