المصريون
جمال سلطان
محاولة اغتيال وزير الدفاع الفاشلة
الحادثة التي كشف عنها المتحدث العسكري أمس في مطار العريش ، حيث تعرض المطار للقصف أثناء وجود وزير الدفاع ووزير الداخلية لتفقد القوات ، هي خطيرة بالفعل ، وقد أثارت الكثير من الجدل ، بعضها يرمي بالغمز واللمز هنا وهناك ، وقد أعلنت مواقع تابعة لتنظيم داعش الإرهابي مسئوليتها عن العملية بإطلاق صاروخ موجه لطائرة أباتشي حسب ادعاء تلك المواقع ، وقد كشف المتحدث العسكري أن القذيفة أصابت إحدى طائرات الهليوكبتر بشكل جزئي ، كما أدى الاعتداء إلى استشهاد أحد الضباط وإصابة آخرين ، تردد بعد ذلك أن ضابطا آخر قد استشهد متأثرا بجراحه .
العملية طرحت تساؤلات بديهية عن مسألة تأمين محيط المطار خاصة عندما تكون هناك شخصيات على هذا القدر من الأهمية في زيارة له ، فالقائد العام للقوات المسلحة هناك ، الرجل الثاني في هرم السلطة الحقيقية في مصر ، أو الرجل الأول مكرر إن صح التعبير ، وقائد أهم مؤسسات الدولة في مواجهة حزمة مخاطر كبيرة تهددنا اليوم ، فكيف تمكن إرهابي أو أكثر من التسلل إلى محيط المطار وإطلاق قذيفة دقيقة فيما يبدو ، وكيف استطاع الإرهابيون معرفة وجود وزير الدفاع في المطار في تلك الأثناء ، هذه كلها أمور أثارت قلق قطاع واسع من المصريين .
على كل حال ، نحمد الله أن نجى قائد الجيش ومن معه من ذلك الاعتداء المفاجئ ، والمؤكد أن المؤسسة ستفتح تحقيقات دقيقة لمعرفة حقيقة ما جرى وأوجه التقصير ومحاسبة المقصرين ، غير أن الحادثة تثير القلق من جديد على ما يجري في سيناء ، فإذا كانت يد الإرهاب تطال مثل هذه المواقع ، وذلك بعد أربع سنوات من الحملة العسكرية المكثفة ضدهم ، ورغم إعلان حالة الطوارئ هناك على مدار أربع سنوات ، ورغم ما جرى من إزالة آلاف المساكن وتهجير آلاف الأسر وهدم أنفاق ، هناك مشكلة حقيقية في شمال سيناء ، تحتاج إلى مكاشفة ، وإلى شراكة وطنية حقيقية لمواجهتها .
الحادثة تدفعنا إلى الحديث عن منصب القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع ، وهو منصب محصن دستوريا لمدة ثماني سنوات ـ دورتين رئاسيتين حسب الدستور الحالي ـ فلا يستطيع رئيس الجمهورية عزله ولا تغييره ، والحقيقة أن هذه "الحصانة" لقائد الجيش تمثل عنصرا إيجابيا مهما للغاية في المراحل الانتقالية للدول ، مثل ما تمر به مصر حاليا ، وقد ينكر علينا بعضهم هذا الكلام ، ولكن النظرة المستقبلية ، وليست النظرة الأسيرة لمتاعب اللحظة الحالية ومظالمها ، ستنصف هذا "التحصين" ، وإذا كانت هناك دعوة مخلصة للوطن في أي تعديل دستوري مقبلة ، فأعتقد أنها ستكون متعلقة بمد أجل هذا التحصين ، ليس لدورتين رئاسيتين فقط ، بل لأربع دورات رئاسية على الأقل ، على أمل أن تكون "المؤسسية" قد استقرت في هيكلة الدولة ، وترسخت أجواء الاستقرار السياسي ، أما في المراحل الانتقالية ، والقلقة ، فإن تداخل السياسي في العسكري سيسبب متاعب جمة ، ويهيج من "الفتن" السياسية أكثر مما يفيد التطور السياسي في الدولة ، ويعوق التطور الديمقراطي نفسه ، ولو أن هذه النقطة كانت حاضرة في أجواء ما بعد ثورة يناير لما جرى كثير مما جرى بعد ذلك وحتى الآن .
السياسة لا تنضج في الخيال ولا المزايدات ولا الأحلام ، وإنما تنضج في الواقع والممارسة واحترام حسابات هذا الواقع ، والتنازل الذي تقدمه اليوم ـ إن صح وصفه بالتنازل ـ قد يكون مقصرا لفترات القلق ودافعا لسرعة تطور النظام السياسي ، وبقدر ما تنجح الدول في تفريغ المخاوف والشكوك لدى قواها المهمة ، وبقدر ما تحترم مصالح أصحاب المصالح ، في الحدود التي لا تمثل إهدارا جوهريا للمصالح الوطنية العليا ، بقدر ما تقترب من النضج ومن بلورة نظام سياسي أكثر عدلا وتوازنا وفاعلية .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف