الدستور
أحمد بهاء الدين شعبان
والآن.. ما العمل؟
بعد أن أحدثت القنبلة شديدة الانفجار، التى أطلقها الرئيس الأمريكى «دونالد ترامب»، بإعلانه نقل سفارة الولايات المتحدة إلى مدينة «القدس»، توابع متتالية، أشبه بالتوابع الزلزالية، التى لم تتوقف حتى الآن، ولن تتوقف، فى المستقبل المنظور على الأقل، عادت الولايات المتحدة لكى توجه لطمتين جديدتين لنا:
الأولى بتصريح لمسئول أمريكى يؤكد «نحن لا نتصور سيناريو لا يكون فيه حائط المبكى جزءًا من إسرائيل»، و«حائط المبكى» هو «حائط البراق»، الذى يدل اسمه على القيمة الرمزية الكبيرة التى يحتلها لدى العرب والمسلمين.
أما اللطمة الثانية فكانت الفيتو الأمريكى على مشروع قرار، قدمته مصر ودول أخرى، إلى مجلس الأمن، يؤكد أن «أى تغيير فى وضع القدس ليس له أى مفعول قانونى، ويجب إبطاله».
السلوك الأمريكى، لكل صاحب بصر وبصيرة، منطقى، ولا يخالف عهدنا بـ «صديق التسعة والتسعين فى المائة من أوراق اللعبة!»، وهو أمر مفهوم ومتوقع، لكن المشكل الرئيسى هو فى إجابة السؤال: وماذا نحن فاعلون؟!.
لقد تصاعدت موجات التجاذب، فى مصر والمحيط العربى، الناتجة عن هذا الانفجار، حتى خرجت عن حدود الموضوعية، وعلى صفحات «التواصل الاجتماعى» تلاطمت المشادات وانطلقت قذائف الكلمات، لكى تسب وتلعن، دون أن تقدم حلًا، أو تقترح مخرجًا.
ومع التسليم بقوة الصدمة التى استدعت هذه الدرجة الحادة من ردود الأفعال، إلا أن اقتصار الرد على هذه الخطوة الأمريكية الخطيرة، (والتى تشرعن الاحتلال وتدوس بالنعال على حقوق شعب فلسطين)، عند حدود «إبراء الذمة»، و«فش الغل»، والانتقام بالشعارات، وصب اللعنات على أمريكا وإسرائيل، إنما يحقق أهدافهما بالكامل.
فمن المؤكد أن أعداءنا يعلمون علم اليقين، طبيعة ردود الأفعال، فى مثل هذه الحالة العربية والمصرية بامتياز، ويدركون أنها ردود أفعال انفعالية، سرعان ما تتبدد، وتعود «ريما» إلى حالتها القديمة، وأنه، مع مرور الوقت، ستتلاشى هذه الوضعية المشدودة، وسرعان ما ينشغل الناس بهمومهم اليومية، أو تشغلهم عنها تطورات صادمة جديدة، على نحو ما اعتادوا طوال العقود، وربما القرون التى خلت.
والآن: هل سنواجه الأزمة الجديدة بمثل ما واجهنا به مئات الأزمات السابقة: أزمة، فانفعال، فبرود، فانشغال؟!.
أظن أنه بات واجب علينا أن نتخلى عن هذه الطريقة البائسة العقيمة، فى التفاعل مع مشكلاتنا وقضايانا، لأنها طريقة مدمرة لمصالحنا، مريحة، ومربحة لأعدائنا.
علينا أن نسأل أنفسنا بنزاهة وصدق، وأن نسألها بشجاعة ومسئولية: لماذا دائمًا نخسر كل معاركنا المصيرية، ونفقد مواقعنا الاستراتيجية، فى كل صراع، رغم أننا أصحاب حق لا مراء فيه؟!.
العيب فينا، يجب أن نعترف: فى أنظمتنا المتهافتة، ونظمنا المهترئة، وثقافتنا التلفيقية، وتعليمنا البائس، وحياتنا العشوائية، وبؤس وجودنا على كل المستويات!.
وما لم نصلح، جذريًا، من أخطائنا المتكررة حتى حدود الهزل، ونعترف لأنفسنا بأننا، فى المقام الأول، خصوم أنفسنا، سيستمر أعداؤنا فى الاستهانة بنا، والتلاعب بمصالحنا، ونهب خيراتنا، وسوقنا إلى المذبحة سوق الإبل!.
ليست القدس وحدها الغالية والمغتصبة، فكل حبة تراب فلسطينية وعربية محتلة، لها نفس القيمة. وتحريرها واجب، ولن يعيد لنا القدس، ولا فلسطين، ولا الجولان، إطلاق الشتائم وصب اللعنات، وإنما البحث والتحليل، والنقد والتصحيح. وأن نعرف مواقع الخلل فنعالجها، ومواطن الخطأ فنواجهها، ثم نخطط لتحسين مواقعنا، وسد الثغرات فى جبهتنا، وتقوية مواقع دفاعاتنا، وتعديل موازين القوى، بيننا وبين عدونا، شيئًا فشيئًا.. لصالحنا.
يقولون إن «طبق الانتقام لا يؤكل إلا باردًا»، وإذا أردنا أن ننتقم لقدسنا السليب، فلنكف عن شق الجيوب، ولطم الخدود، وبدلًا من النحيب والعويل، ومن الضجيج والصخب، فلنفكر مرة برويّة، ولنبحث بهدوء، وبدماغ بارد، كيف نتحرك بثقة، ونستخدم قواتنا بمهارة، ونستعمل عناصر تفوقنا بدهاء، لكى نجبر عدونا على التراجع، ولكى يعرف جيدًا أن لحمنا مر، ولا يصلح للأكل أبدًا!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف