جلال حمام
بطالة الشباب.. قضية أمن قومى
يأتى اقتراح إنشاء صندوق لحماية الشباب من آثار البطالة والفقر، كواحد من المشروعات القومية العملاقة، التى تتم على أرض الواقع فى مصر، فلا أحد يُنكر المجهود المبذول من الدولة، فى تنفيذ المشروعات المتنوعة، فى الأمن الغذائى والزراعى، أو الطرق، أو المشاريع الاقتصادية وغيرها، ما يؤكد وعى القيادة وحرصها على النهوض بالدولة فى جميع القطاعات، ولأنه من الطبيعى أن نجنى ثمار بعض هذه المشاريع فى الوقت الحالى، ويتطلب البعض الآخر مزيدًا من الوقت، فقد كان من الضرورى إيجاد حل للآثار المترتبة على مشكلة البطالة والفقر، ومن هنا جاءت فكرة إنشاء صندوق تابع لمجلس الوزراء مباشرة، تكون مهمته صرف إعانة بطالة للشباب الذين لم يحصلوا على فرصة عمل بعد حصولهم على المؤهل الدراسى.
ومع أن البعض يرى أنه على الدولة توفير فرص عمل للشباب لا أن تمنحهم إعانة بطالة؛ لأن الشباب إذا ما حصلوا على هذه الإعانة بلا عمل حقيقى، فإنه من الممكن إصابتهم بحالة من اليأس والإحباط وسيركنون إلى ذلك دون البحث الحقيقى عن عمل، وإذا ما استطاعت الدولة توفير فرص عمل لهم، فهذه هى البداية الصحيحة، لأن الإعانة الحقيقية للبطالة تكون بإنشاء مشروعات متناهية الصغر ومشروعات صغيرة لتشغيل الشباب تحل هذه المشكلة، لأن منح الشباب إعانة وتركه بلا عمل، سيؤثران بالسلب على الاقتصاد، إلا أن هؤلاء قد أغفلوا أن مشروع القانون يعيد الثقة بين المواطن والدولة، ويساعد العديد من الأسر التى لا تجد قوت يومها، بالإضافة إلى حماية الدولة المصرية من البطالة والفقر، باعتبارهما قنابل موقوتة، لأن هناك أكثر من ثلاثة ملايين شاب عاطل، من الممكن أن يقع بعضهم فريسة للجماعات الإرهابية، وقد حدث بعض من ذلك، فيمن انضموا إلى الجماعات الإرهابية، وعلى رأسها داعش.
ولأن مصر عانت من أنظمة أهملت الشباب لعقود طويلة، وقصرت فى تأمين مستقبلهم، بتعليم حقيقى وإقامة مشروعات تستوعب طاقاتهم، فإن الصندوق المقترح جاء استجابة لأوضاع شبابية مترهلة، ولم يأتِ بدعة مصرية خالصة، فمبدأ إعانة البطالة معمول به فى مجتمعات عديدة، وفقًا لضوابط محددة، ويحصلون على مواردها من التأمينات والضرائب، واعتبروها قضية ضرورية ملحة، باعتبار البطالة إحدى آفات المجتمع، التى تؤدى إلى الانحرافات وتزايد معدلات الجريمة، وبالتالى إذا كانت الدولة لا تستطيع توفير فرص عمل، فمن باب أولى صرف إعانة بطالة، وقد خصصت الكثير من دول العالم، مخصصات مالية فى ميزانياتها، تُمنح للعاطلين، تعويضًا عن عدم قدرتهم على الحصول على فرصة عمل مناسبة، توفر لهم دخلًا يعينهم على الحياة.. فالحكومة الفرنسية تدفع للعاطل الأعزب ٥١٤ يورو فى الشهر، بعدها سجلت طلبات إعانة البطالة هناك تراجعًا طفيفًا، حيث بلغ عدد العاطلين المسجلين فى فرنسا ثلاثة ملايين ونصف المليون، قبل عامين.
أما فى مصر، وبالرغم من ظروفها الاقتصادية الصعبة، وقيامها على إقامة العديد من المشروعات القومية الكبرى، تتطلب أموالًا ضخمة، فإن المشروع المقترح يقدم فرصة للشباب لمدة ثلاث سنوات، كحد أقصى، الهدف منها، توفير فرصة عمل فى أى مجال، سواء فى القطاع الخاص أو العام، وإن ثبت أن هناك فرصة عمل شاغرة فى أى من المجالات أو القطاعات، ولم يتقدم الشاب المتمتع بفرصة المنحة، للالتحاق بها، سيتم استبعاده من منحة الصندوق، وتعد الثلاث سنوات كافية للوقوف بجانب الشاب فى مرحلة البحث عن عمل، وإن لم يتمكن من الحصول على فرصة خلال هذه المدة، سيتم حرمانه أيضًا من الاستفادة من الصندوق، لأنه ليس من الطبيعى ألا يجد شاب جاد يبحث عن عمل، فرصة مناسبة له خلال هذه المدة الطويلة، شريطة أن تؤدى مناهج التعليم إلى تنمية المهارات المهنية، خاصة فى التعليم الفنى، بما يسمح بتخريج من يقدر على المنافسة فى سوق العمل، بقدرات حقيقية، إذ من غير المنطقى أن نبنى باليمين وغيرنا يهدم بالشمال، خاصة أن وزارة المالية أبدت تحفظًا على مشروع القانون، بحجة أنه يُحمّل الموازنة العامة للدولة أعباءً كبيرة، فى ظل العجز الكبير فيها، وتفيد تقارير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بأن هناك ٣٫٦ مليون عاطل فى مصر، ولو تم ضرب هذا الرقم فى ١٢٠٠ جنيه، إعانة شهرية مقترحة للفرد، فإن المبلغ المطلوب خلال عام سيكون ٥٢ مليار جنيه، وهو مبلغ ضخم، صعب أن تتحملة الخزانة العامة حاليًا.. فمن أين يأتى التمويل إذن؟.
تنص المادة الثالثة من اقتراح القانون، على أن تتكون موارد الصندوق من فرض رسم قدره جنيه واحد، يخصص له طابع مدموغ بقيمته، على جميع أنواع الخدمات التى تؤدى للمواطنين فى الوزارات ومصالحها، والأجهزة الحكومية ووحدات الإدارة المحلية، والهيئات العامة والشركات والبنوك العامة، وعلى بعض السلع التى يصدر بتحديدها قرار من مجلس الوزراء، ومن المنح والتبرعات من الأفراد والأشخاص الاعتبارية العامة على المستوى المحلى أو الدولى، وفقًا لما تحدده اللائحة.. وزيد عليها، رسم بذات الفئة، على تذاكر السينما والمسارحوالحفلات العامة، وكل الأماكن الترفيهية، وربما من الممكن إدراجه ضمن رسوم المرور على الطرق بين المدن، التى تخضع لرسوم عبور، كما يمكن خصم نسبة لصالح الصندوق، من الغرامات المجمعة فى الدولة، سواء فى المرور والأحياء أو المبانى، وغيرها كثير.. ولست أظن أن المواطن سيأنف من المشاركة فى دعم هذا الصندوق، إذا آمن أنه يستهدف الوقوف إلى جوار شبابنا، وتمتعهم بحياة كريمة، تحقق لهم استقلاليتهم، وتنأى بهم عن الوقوع فى براثن أهل الشر، أو فريسة للعوز المُفضى إلى الكفر بكل القيم الوطنية والمجتمعية، وذلك شىء لا يقدر بثمن.. ووفقًا للمادة الرابعة، تكون للصندوق سنة مالية، وفقًا للمواعيد السارية على الموازنة العامة للدولة، ويكون له حساب خاص بالبنك المركزى المصرى، وتسرى على أمواله القواعد والأحكام المتعلقة بالأموال العامة والرقابة المالية، ويكون الصرف من أمواله، وفقا للقواعد التى تحددها اللائحة، ويُرحل الفائض من سنة مالية لأخرى، وتعفى جميع معاملات الصندوق المالية، الواردة له أو المنصرفة منه، من جميع أنواع الضرائب والرسوم المعمول بها بالدولة، وفقًا لنص المادة الخامسة، وبعد.. فالبطالة مشكلة اقتصادية، كما هى مشكلة نفسية، واجتماعية، وأمنية، وسياسية، وجيل الشباب هو جيل العمل والإنتاج، لأنه جيل القوة والطاقة والمهارة والخبرة، وتعطيل تلك الطاقة الجسدية بسبب الفراغ، لاسيما بين الشباب، يؤدى إلى أن ترتد عليه تلك الطاقة لتهدمه نفسيًا، مسببة له مشاكل كثيرة، وتتحول البطالة فى كثير من بلدان العالم إلى مشاكل أساسية معقّدة، ربما أطاحت ببعض الحكومات، فحالات التظاهر والعنف والانتقام توجه ضد الحكومة وأصحاب رءوس الأموال، فهم المسئولون، فى نظر العاطلين، عن مشكلة البطالة.. وهم من يرونهم أنهم يحرمونهم من حق الحياة!.. حفظ الله مصر من كيد الكائدين.. آمين.