الجمهورية
فهمى عنبة
نظام جديد.. قبل فناء العالم!
** ماذا يحدث في كل مكان علي سطح الكرة الأرضية؟!.. فالنزاعات تجاوزت القارات وأصاب العالم الجنون ويبدو أن القوي العظمي قررت تدمير الكون إذا لم يخضع لإرادتها.. وهناك من يستمتع بدفع البشرية للانزلاق بسرعة نحو الهاوية تتدحرج بقوة مثل كرة الثلج لتطيح بأي شيء أمامها لتقترب من المصير المحتوم الذي كتبه الله سبحانه وتعالي بالفناء علي مخلوقاته إيذاناً بالوصول إلي النهاية المحتومة وبلوغ يوم القيامة!!
أصبح من الضروري السعي جدياً لتغيير النظام الدولي الذي تجسده الأمم المتحدة وأثبت فشله. خاصة بعد أن وضع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المسمار الأخير في نعشه عندما تحدي الجميع وضرب عرض الحائط بالقانون والأعراف والاتفاقيات والقرارات التي أجمعت عليها كل دول العالم.. سواء بإعلانه القدس عاصمة لإسرائيل ونقل سفارة بلاده إليها.. أو باستخدام الفيتو ضد القرار المصري باعتبار ذلك باطلاً.
بات من المهم التفكير جدياً في صيغة جديدة تحقق العدالة وتقوم علي أساس المساواة بين الدول الأعضاء وتضمن ولو الحد الأدني من الاتفاق علي تطبيق أسس واضحة تقبلها الأغلبية طالما تعذر تحقيق الإجماع الدولي سواء في القضايا السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الأمنية.
تتسارع الأحداث وتتشابك القضايا وتختلف الأهداف وتتباين القيم والعادات والتقاليد.. ففي الجانب السياسي والأمني تحول الإرهاب إلي غول يهدد مستقبل الأجيال وينشر الرعب في كل مكان.. ومازال في القرن الحادي والعشرين يوجد احتلال واغتصاب للأراضي وقتل وتشريد الآمنين.. وفي ظل نظام لا يعترف إلا بالقوة ويتحكم فيه قانون الغاب ويتم من خلاله حماية المستعمر والمغتصب لابد من العودة إلي العقل والحكمة والاعتراف بفشل الأمم المتحدة ومجلس الأمن في علاج معظم الأزمات الدولية طوال أكثر من 70 عاماً.. وأكبر دليل علي ذلك القضية الفلسطينية التي عمرها يقترب من عمر المنظمة.
وإذا نظرنا للاقتصاد والتجارة الدولية.. فالعالم مقبل علي مرحلة "هلامية" يمكن أن تسمي "اقتصاد الأشباح".. حيث بدأت العملات الإلكترونية تغزو أسواق المال وأصبح "البيتكوين" حلم رجال الأعمال.. والغريب أنه بينما يتم التهافت عليها وارتفاع سعرها في البورصات العالمية.. إلا أن أحداً لا يعرف مصدرها ولا قيمتها الحقيقية ولا حتي كيفية التعامل بها ولا من يبيع ومن يشتري.. فكيف سيتم تقنين كل ذلك في ظل نظام فشل اقتصادياً في وضع أسس واضحة للتجارة الدولية.
توجد أيضا العديد من القضايا الشائكة وأهمها البيئة وتغير المناخ والاحتباس الحراري الذي يهدد باختفاء دول وقارات بعد انهيار جبال الجليد نتيجة لاستمرار الدول الصناعية الكبري في تصدير الانبعاثات الكربونية والغازية والإشعاعية وعدم تفهمها لبرامج التنمية في الدول الطامحة للبناء والتقدم.. فأين النظام الدولي الذي يمكن الاعتماد عليه ويسمح بالوصول إلي حل وسط يساعد علي الأطراف؟!
وحتي في القضايا السكانية والاجتماعية.. فالاختلاف واضح في المفاهيم والعادات والتقاليد.. وفي الديانات والمعتقدات.. فأين هو النظام الذي يسمح لكل دولة أن تحتفظ بخصائصها وبما يعتقده شعبها ويحافظ علي خصوصية المواطنين بعد أن دخل الإنترنت كل بيت.. وفي نفس الوقت لا يتعارض ذلك مع ما يطالب به المجتمع الدولي من تطبيق القانون علي الجميع دون أن يتم إجبار أي شعب علي فقد هويته والتخلي عن إيمانه؟!
الغريب أنه لا توجد دولة مقتنعة بالنظام الدولي الحالي ولا بصيغة حق "الفيتو" في مجلس الأمن ولا بالوصول إلي عالم واحد متطابق.. فهذا النظام لا يحقق طموحات الدول النامية وشعوبها. خاصة أن هناك قارات بأكملها غير ممثلة ضمن الأعضاء الدائمين.. فأين أفريقيا وأمريكا اللاتينية؟!.. وهل من الطبيعي أن تظل دولة تتحكم في اقتصاد أوروبا مثل ألمانيا بعيدة عن "الكبار"؟!.. والأغرب أن القوي العظمي كثيراً ما تنتقد منظمة الأمم المتحدة.. كما أن أمريكا التي تعتقد أنها تمسك بخيوط التحكم في مصائر من يعيشون علي ظهر الأرض.. أعلنت مندوبتها أكثر من مرة أنها لا ترضي عن الأمم المتحدة ولا الجمعية العامة ولا مجلس الأمن.. فإلي متي الإبقاء علي نظام دولي لا ترضي عنه كل دول العالم ويهدد بفناء البشرية لأنه غير عادل وأصبح خطراً يلف خيوطه ويحكم قبضته علي كل مساحة ولو صغيرة علي سطح الأرض ويداهم الشعوب في مختلف القارات بقسوة ويؤكد أن الفساد ظهر بأيدي أبناء آدم في البر والبحر والجو أيضا؟!
قبل أن تضيع اللغة.. فصحي وعامية!!
** بينما تحتفل الأمم المتحدة واليونسكو باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر من كل عام.. فإن العرب يهينون لغتهم ويبتعدون عنها لدرجة أن شاعر النيل حافظ إبراهيم تنبأ بوفاتها قبل قرن من الزمان وكتب قصيدة بمثابة رثاء ونعي للغة الضاد التي هجرها قومها.. وقال فيها:
أنا البحر في أحشائه الدر كامن
فهل ساءلوا الغواص عن صدفاته
فيا ويحكم أبلي وتبلي محاسني
ومنكم وإن عز الدواء أساتي
فلا تكلوني للزمان فإنني
أخاف عليكم أن تحين وفاتي
أري لرجال الغرب عزاً ومنعة
وكم عز أقوام بعز لغات
تعود العرب علي إضاعة كل مصادر قوتهم.. وتراهم يتنازلون بسهولة غريبة عما يمكن أن يحقق لهم التميز علي العالمين.. ولا توجد أمة تفرط في هويتها وفيما يجمعها من المحيط إلي الخليج مثلما يفعل العرب الذين لا يتمسكون بما يمتلكونه بما في ذلك لغتهم الجميلة.
تعتز كل أمة بلغتها ويعتبرون التحدث بها دون سواها هو أكبر تعبير عن الاحتفاظ بهويتهم.. بل وهناك من يعتقدون أن الكلام بها هو العزة والكرامة ولا تجدهم ينطقون بغيرها أمام الأجانب مع أنهم قد يجيدون لغة هذا الأجنبي وهذا ما يفعله الألمان والفرنسيون والانجليز وغيرهم.
للأسف.. هناك من العرب من يعتبر التحدث بالعربية تخلفاً.. ويتفاخرون بأنهم يرطنون بأي لغة أجنبية وتجد معظم كلامهم بها ويطالبون أولادهم بذلك.
اعترفت الأمم المتحدة بالعربية كلغة عالمية في 18 ديسمبر 1973 ومن يومها وفي كل عام يتم الاحتفال وعقد ندوات ولقاءات في العديد من دول العالم توضح جمال هذه اللغة وآدابها وثقافتها وخطوطها وإسهاماتها في الحضارة.. وفي المقابل نجد من بيننا من يطالب بإلغاء حصص النحو والصرف ويرفض تعريب المصطلحات العلمية والطبية.
للأسف.. فإن الأجيال الجديدة خاصة من يتعلمون في مدارس اللغات تجد ألسنتهم لا تتحدث بطلاقة وعندما تخاطبهم فإن أغلبهم لا يفهم إلا إذا كررت له الكلام بالانجليزية أو الفرنسية.. ما يجعل الأمة في خطر ولا يستثني من ذلك أي بلد عربي!!
الخطير أن الإنسان عندما يسير في شوارع أي مدينة عربية يجد أن أغلب اللافتات الموضوعة علي واجهات المحلات والمطاعم والمقاهي إما بأسماء أجنبية أو مكتوبة بها.. وحتي اسماء المواليد هجر الأهالي الألقاب العربية الأصيلة واتجهوا إلي كل ما هو أجنبي.. ظناً منهم أن ذلك هو الموضة والتقدم.. وأصبح من يطلق علي ابنه أو ابنته اسماً عربياً متخلفاً.. وتشجع الدراما السينمائية والتليفزيونية علي ذلك.
كانت الأجيال السابقة تفتخر بلغة الضاد.. ويتباري الشعراء والأدباء في صياغة قصائدهم ورواياتهم وأشعارهم وقصصهم بأجمل الكلمات والمعاني.. بدءاً من شعراء المعلقات إلي المتنبي والبحتري وصولاً إلي أمير الشعراء أحمد شوقي وحافظ إبراهيم والعقاد وطه حسين وآلاف غيرهم.. وحتي من كتبوا بالعامية أمثال صلاح جاهين والأبنودي وجمال بخيت ومن قبلهم بيرم التونسي وفؤاد حداد فإن الأرض عندهم لا تتكلم "إلا عربي"!!
اذهب إلي أي دولة في أوروبا وأمريكا فسيطالبك أهلها بالتحدث بلغتهم وأحياناً لا يرد عليك بعضهم إذا كلمته بلغة أخري.. أما في "بلاد العُرب أوطاني" فأهلاً بكل اللغات إلا لغة الضاد!!
أضاع العرب فرصة ذهبية كانت كفيلة بجعل لغتهم تسود العالم وربما تفوقت علي الانجليزية.. وذلك لو كانوا اشترطوا علي من يأتي للعمل في دولهم أن يتعلم العربية وإلا فلا عمل له.. فقد كانت لدينا ثروة البترول وطفرة الإنشاءات العقارية وشق الطرق واستيراد معظم الأشياء واستقدام الخبرات والعمال ولو فرضنا شرط اللغة لتعلموها وأتوا لأنهم يحصلون علي مبالغ لا يحلمون بها في أوطانهم. خاصة الخبراء من أوروبا وأمريكا وكذلك العمال من جنوب شرق آسيا الذين للأسف هم الذين فرضوا لغتهم علي أبناء البلد وأصبحنا نحن الذين نقول "أوكي" و"أوروفوار" و"سيدا" و"جالدي كاروه"!!
وفي مصر لم يكن تقصيرنا في اللغة العربية فقط.. ولكننا نضيع الآن لهجتنا المصرية التي تربي عليها كل العرب ويفهمونها من خلال الأفلام السينمائية والمسلسلات التليفزيونية وأغاني أم كلثوم وعبدالحليم وعبدالوهاب وفريد.. ولكن هذه الأيام فإن الدراما التركية والهندية هي السائدة.. وللأسف فإن "دبلجتها" باللهجة الشامية التي ستصبح هي السائدة خلال 10 سنوات علي الأكثر.. لأن الأمهات المصريات يحرصن علي متابعة التمثيليات التركية والهندية ويقبعن أمام شاشات التليفزيون لساعات طويلة وبجوارهن الأطفال الصغار الذين يلتقطون "اللهجة ثم يرددونها.. وبعد فترة تضيع لهجتنا المحببة كما ضاعت لغتنا الجميلة!!
بعد غد سيحتفل مجمع الخالدين باللغة تحت عنوان "في حب الضاد" وليته يضع برنامج عمل لإحياء اللغة العربية من جديد بالتعاون مع وسائل الإعلام ووزارات التعليم والثقافة والتعليم العالي والشباب والرياضة قبل أن نحقق غرض من لا يريدون الخير لهذا الوطن ولا لشعبه ويسعون بكل الطرق لتغريبه وابتعاده عن كل ما يربطه بالهوية المصرية والعربية.. بل إن من يتحدث بالفصحي يعتبرونه من "كوكب آخر" ومتخلفاً لا ينتمي للعصر الحديث!!.. وللأسف هناك من يساعدهم بوعي أحياناً وبجهل في معظم الأحيان جرياً وراء الحداثة والتمدن والتفاخر بأنهم "يرطنون باللغات الحية"!!
نؤمن بأن العربية لن تندثر طالما بقي القرآن الكريم وظل الأزهر الشريف منارة للعلم وأدي دوره الذي ظل يقوم به طوال أكثر من ألف عام.. وعندها لن تضيع العربية وسيعود للفصحي رونقها وجمالها.. كيف لا وهي لغة أهل الجنة؟!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف