الجمهورية
على هاشم
معاً للمستقبل - بوابة الحياة..!!
للنهضة طريق واحد. يمر عبر تنمية البشر تعليميًا ومهاريا وثقافيًا وحضارياً. فدولة مثل اليابان لا تملك موارد طبيعية تذكر إذا ما قورنت بما يملكه العرب الأغنياء بثروات الطبيعية الفقراء بمهارات البشر والعلم والمعرفة.. من يملك العلم فهو يحوز أدوات النجاح ومقومات القوة.. أروني تجربة رائدة لأمة أو شعب نهض دون الارتكاز علي العلم والمعرفة.. البشرية الآن تعيش عصر المعرفة بكل تنويعاتها.. اقتصاد المعرفة.. حضارة المعرفة.. الإنترنت وثورة الاتصالات والاستثمارات الضخمة نتاج العقل المتعلم.. بيل جيتس وزوكر مارك لم يدخلا التاريخ من باب السياسة ولا من باب الغني والثروة بل من باب العلم.. الأول يملك شركة أصولها وثرواتها واستثماراتها تفوق ما تملكه دول بأكملها.. نهضة كوريا الجنوبية وسنغافورة والصين والهند وغيرها مرت عبر بوابة التعليم.. أصحاب الأفكار هم من عاشوا في ذاكرة الإنسانية وفي ضميرها.. الشخصيات الملهمة عرفت مبكرًا أهمية الاستثمار في البشر فهم السواعد المنتجة والعقول المبدعة ودرع الأوطان وسيفها.. كل تجارب النجاح مرت من باب واحد وذلك ليس اختراعًا ولا اكتشافًا بل حقيقة لا مراء فيها.. نبهنا إليها القرآن الكريم في أولي آياته.. درس عملي طبقه رسولنا وعلمه لأتباعه حين جعل فك الأسري رهنًا بتعليم كل أسير عشرة من المسلمين الأميين القراءة والكتابة.. بالعلم يرقي سلوك البشر وفكرهم.. وبالتدريب العملي يزداد إنتاجهم وتزداد قوتهم وسطوتهم..لا فضل لشعب علي آخر إلا بالعلم والعقل والمنجزات الحضارية .
وما من أحد في مصر إلا ويدرك موطن الداء وآفة العصر.. وأسباب التخلف والتردي والتراجع.. الدول يجري تصنيفها وفق ما تملكه من ترسانة علمية وذخيرة بشرية وطاقة إنتاجية.. ما من أحد في مصر إلا ويعلم أن قضية التعليم "أمن قومي" لكننا للأسف رغم علمنا بكل هذا منذ زمن بعيد لم نتحرك بالجدية الكافية. وظللنا نراوح مكاننا منذ عقود.. لا يخالجنا شك أن رئيس مصر وحكومتها يدركان أهمية وخطورة "العلم والتعليم" وهو ما نأمل أن يأتي في صدارة أولويات البرنامج الانتخابي للرئيس السيسي في الفترة الثانية. وهو حتمًا ما سيفعله الرئيس لإيمانه بدور العلم في انتشال مصر من التخلف والتراجع اللذين عانت منهما عقوداً طويلة. وإذا كان الإنسان عدو ما يجهل.. فالجهل عدو من يجهل ولا عذر لمن يجهل مادام قد علم أن العلم فرض عين لا يُترك.. الحكومات المتعاقبة تساهلت في أمر التعليم حتي وصلنا لما نحن فيه من فوضي تعليمية وكبوة سلوكية وأخلاقية تجلت آثارها واضحة فيما بعد أحداث 25 يناير وحتي اليوم.. سلوك التلاميذ في المدارس . والطلاب في الجامعات والناس في الشارع تنبئنا بأن ثمة خطأ وخطيئة لن نتخلص منهما إلا بتصحيح مسار التعليم والبحث العلمي.. لن تنكشف غمة التخلف والتدهور الاقتصادي إلا إذا آمنا بقدرة العلم ومكانته في حياة الشعوب.. إنفاق المصريين مليارات الجنيهات سنويًا علي الدجل والشعوذة والرغي في الهواتف. والتدخين والإدمان انحراف ناتج عن غياب الوعي والفكر. وجود متطرفين بيننا. وإرهابيين من بني جلدتنا هو نتاج منظومة تعليمية متخلفة. وبيئة مجتمعية متدهورة.. تراجع الأخلاق الحميدة وشيوع "الأنامالية" والأنانية والسلبية نتاج نشأة غير سوية وتنشئة بلا هدف ولا رؤية ولا ضمير وطني ولا وازع ديني سوي.
الأمية والجهل هما عدونا الحقيقي.. وضعف الإنتاجية هي آفتنا الاقتصادية.. غاندي حينما أراد تحرير الهند من قبضة الإمبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس لم يصعد المنابر ولا ألقي خطبا عصماء إنما سار بين الناس يغزل صوفًا ليعلمهم أن الحرفة والصناعة والعمل أساس الحياة وأن قيمة كل إنسان تتحدد بمقدار ما يحسن صنعه..
إصلاح التعليم وربط البحث العلمي بالإنتاج. وإيمان أهل المال والأعمال بقيمة العلم وما تنتجه عقول أبناؤنا المبدعين.. هو أمل مصر في عصرنا الحاضر.. ولا مخرج سواه.. التعليم في مصر غير منتج وغير مثمر.. والدولة تخسر مليارات الجنيهات سنويًا حين تضخ آلافاً من العاطلين من خريجي الجامعات والدبلومات وما شابههما دون علم ينتفع به أو قيمة اقتصادية مضافة إلي رصيدنا المحدود.
توليد الثروة وفرص العمل ليس غاية في ذاته بل هو حل المشكلة مزمنة أساسها ضعف الكفاءة وغياب الموهبة وهجرة العقول المبدعة إلي الخارج وغياب حلقة الاتصال النهائية بين سوق العمل والتعليم.. وزارتا التربية والتعليم وشقيقتها "التعليم العالي والبحث العلمي" بينهما انفصام تام.. الأولي تلقي للأخيرة بطلاب دون المستوي والأخيرة تلقي إلي سوق العمل بخرجين غير أكفاء علي كثرتهم.. والقلة "النيرة" تعرف طريقها إما إلي الخارج المتربص بنا وبهم وإما إلي مسار منحرف وإحباط وغياهب الضياع.. "الزراعة" نفسها أمل كل المصريين مازال مقر وزارتها في قلب العاصمة وليس في قلب الميدان بين المزارعين والمنتجين وفي الحقول.. مراكز الأبحاث الجامعية وغير الجامعية كلى في طريق.. لا يجمعها إلا الاسم.. لكن الغايات والمسارات والنواتج مختلفة.. بخلاف ما يحدث في دول متقدمة تعمل كمنظومة واحدة متعددة الوحدات.. وظائف متعددة والغاية واحدة.. مثلها مثل أعضاء الجسد تجمعهم شبكة عصبية وشرايين منبعها واحد ومصبها واحد.. ودورانها بين القلب المنتج والعقل المبدع متعدد الاتجاهات.
ثروات الطبيعة مهما تكن حجمها ومخزونها الاستراتيجي فهي إلي زوال.. البترول العربي لن يستمر إلي الأبد.. النضوب هو النتيجة الحتمية إن عاجلاً أو آجلاً.. وعلي الأجيال الحالية ألا تجور علي حقوق أجيال المستقبل.. العلم هو المستقبل.. الطاقة الشمسية هي الأمل الحقيقي.. طاقة نظيفة ومتجددة ينبغي أن يسعي العرب ومصر علي وجه أخص لتطويعها لخدمة التنمية.. الطاقة النووية مهمة وقد دخلت مصر بالفعل إلي العصر النووي بقيادة السيسي.. لكن الطاقة المتجددة من الشمس والرياح قوة مضافة وثروة ربانية ينبغي لنا ألا نغفل عنها أو نهملها.. تنوع مصادر الطاقة مهم كتنوع مصادر التسليح تمامًا حتي لا نرهن أنفسنا بمسار واحد إن تعطل تنغلق الدائرة علينا.. لا نعاني فقرًا في المواهب والمخترعين والمبدعين.. هم موجودون بيننا نقرأ عنهم ونعرفهم لكننا لا نري لهم أثراً في حياتنا لأسباب كثيرة أضعفها قلة الموارد.. فهم أغلي من كل الموارد!!
القاعدة الثلاثية قوة جبارة.. البحث العلمي والتكنولوجيا والمعرفة هي أضلاع هذه القاعدة.. نحتاجها جميعًا لتنصهر في بوتقة واحدة حتي تضعنا علي خريطة العالم الذي عليه أن يرانا ليس كورثة التاريخ والحضارة العظمي فحسب بل كمساهمين رئيسيين في منجزات اليوم وحضارة القرن الحادي والعشرين.. الصين تكاد تهيمن علي العالم ليس بجيشها الجرار ولا بكثرة شعبها الذي يقارب الملياري نسمة بل بقوة اقتصادها.. ونباهة عقول أبنائها ودأب شعبها الذي لا يستنكف أفراده أن يطوفوا العالم وعلي أكتافهم سلع بلادهم يبيعونها في شوارعنا وقرانا وحاراتنا.
كل بيت صيني بمثابة خلية إنتاجية صغري تتضافر جهودها في النهاية حتي تصبح وحدات إنتاجية عظمي.. أمريكا مدينة للصين.. كل شيء في أمريكا نجد مثيله الصيني الأرخص سعرًا والأعلي جودة.. الصين هزمت أمريكا اقتصاديًا.. ولا نبالغ إذا قلنا أن العصر القادم.. صيني بامتياز !
روسيا عادت إلي موازين القوي العالمية من باب العلم والإنتاج.. السلاح الروسي نتاج العلم والتعليم وليس نتاج الماضي الإمبراطوري العريق!!
ماذا لو بقي زويل ويعقوب داخل مصر..؟!
لدينا في الخارج قوي علمية عظمي.. آلاف العلماء المهاجرين.. كثير منهم يتمني العودة لبلاده ليقدم خلاصة علمه وعقله لبلده الذي أنفق عليه ومنحه مقومات الصعود والارتقاء.. لكنه لا يجد المحفزات ولا عوامل النجاح بقدر ما يري أعداء النجاح والبيروقراطية العقيمة في انتظاره في كل مكان .
زويل مثلاً لو بقي في مصر ربما لم يكن أحسن حالا من أساتذة عظام كثيرين مثله استمروا في معاملهم ومدرجاتهم هنا في جامعاتنا دون أن يحقوا معشار ما حققه زويل "المهاجر" ولا فاروق الباز ولا مصطفي كامل السيد ولا هاني عازر من شهرة ومنجزات.. قلة من العلماء المصريين الذين نحتوا بأظافرهم في صخر البيئة المصرية الطاردة للعلماء . وأصر علي النجاح.. وهؤلاء لا يتجاوزون أصابع اليدين في أحسن الأحوال.. لعل أبرزهم مجدي يعقوب صاحب الصرح العلمي الأعظم في الشرق الأوسط لعلاج مرضي القلب وخصوصًا الأطفال وهو المستشفي الرابض في أسوان.. مهد الحضارة المصرية القديمة.. وكذلك العالم الفذ محمد غنيم صاحب أعظم مراكز علاج الكلي بمصر وربما العالم . لدينا رجال أبهروا الدنيا في كل المجالات.. كل منهم عبقري في مجاله.. هم كأفراد تراهم عظاما لكن بلدهم لا يستفيد شيئًا من علمهم ونبوغهم وشهرتهم.. إلا نزرا يسيرا.
علماؤنا في الخارج محط اهتمام الدولة ورئيسها.. وعندنا وزارة للهجرة . تتابع أحوال كافة أبنائنا في الخارج.. ونرجو أن تخصص وحدة متكاملة بالتنسيق مع وزارة الخارجية تكون مهمتها استعادة علمائنا من الخارج أو تحقيق الاستفادة القصوي منهم إذا ظلوا في غربتهم.
لدينا في مصر أكثر من 11 مركزا بحثيًا تابعا "للتعليم العالي" ومثلها مبعثرة في الوزارات وأجهزة الدولة المختلفة بخلاف أكاديمية البحث العلمي.. كلها تعمل في جزر منعزلة. تعاني ضعف التمويل والأهم غياب الربط والتنسيق فيما بينها.. وافتقاد الدور العلمي لرأس المال وغياب ثقافة "تبني المواهب العلمية" لدي رجال أعمالنا ومستثمرينا.. وليتهم اقتدوا بطلعت حرب ذلك الرمز الوطني العصامي الذي نهض بتمصير الصناعة والبنوك والسينما وحتي الغناء وغيرها.. للرأسمالية الوطنية دور غائب في مصر.. وتلك نقيصة بغيضة إذ تقوم الاقتصادات الكبري علي أكتاف القطاع الخاص وليس الحكومي.
ومن أسف أنك تجد بعض رجال الأعمال ينفقون ببذخ علي المظاهر والملذات ما لا ينفقونه علي طلبة العلم أو حتي الدور الاجتماعي لرأس المال.. وتعاني مراكز أبحاثنا وجامعاتنا نقص التمويل حيث تذهب النسبة الأكبر من مخصصاتها المالية للأجور والمرتبات والصيانة وغيرها ولهذا فلا عجب أن يكون المنتج العلمي بهذه الصورة الضعيفة.. ولا عجب أن يتفوق "الكيان الإسرائيلي" علميا وتسليحياً علي العرب مجتمعين.. فنجد بضعة ملايين من البشر يفوق إنتاجهم العلمي والفكري وبراءات اختراعاتهم ما ينتجه عشرات الملايين من العرب ناهيك عن الدعم الأمريكي اللامحدود لإسرائيل لضمان استمرار تفوقها الكاسح علينا.. رغم أن دولا عربية عديدة تملك المؤهلات اللازمة لبناء قاعدة علمية راسخة يمكنها المنافسة إذا أحسن توظيفها وتكاملت في إطار متناغم يدرك قيمة العلم ويعمل بأوامر الدين الذي كانت أولي آياته داعية إلي القراءة والعلم "اقرأ باسم ربك الذي خلق".. نحن حين نتخلي عن طلب العلم وتعظيم دوره في حياتنا لا نخالف تعاليم الدين فقط. بل نفرط في أبسط مقومات الحياة ونضع أنفسنا تحت رحمة غيرنا. فنستورد منه ما نأكل وما نشرب وما نلبس وما نعالج به أمراضنا.. فماذا بقي لنا من بواعث الفخر أو مقومات القوة أو حتي البقاء.. أفيقوا يا عرب فلم يعد في الوقت متسع للنجاة.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف