الدستور
د. محمد عفيفى
الوعى بالتاريخ.. 23 ديسمبر عيد النصر
هل أعترف بصدمتى الشديدة عندما سألت طلابى عن عيد النصر، بمناسبة قرب مجىء يوم ٢٣ ديسمبر؟، وللأسف لم أجد إجابة لديهم! وأبدى معظمهم اندهاشهم من وجود عيد بهذا المُسمى!!
هنا نحن أمام قضية مهمة ومثيرة، وهى مسألة «الوعى التاريخى»، هناك أجيال للأسف الشديد نشأت بلا تاريخ، ولهذا كان من السهل على جماعات التطرف والإرهاب تزييف وعيهم بصناعة تاريخ آخر، تاريخ ليست له علاقة بالوطن والشعب.
٢٣ ديسمبر ١٩٥٦ هو عيد النصر، وذكرى إعلان إنجلترا وفرنسا انسحابهما من الأراضى المصرية بعد فشل العدوان الثلاثى على مصر. فما قصة هذا العيد؟
علينا أن نبدأ من اليوم المشهود فى تاريخ مصر المعاصر، يوم ٢٦ يوليو ١٩٥٦، يوم إعلان مصر تأميم قناة السويس. وفى الحقيقة لم يكن قرار التأميم آنذاك هو وليد اللحظة، ولكن وقفة عبدالناصر فى ذلك اليوم لإعلان القرار، كانت تجسيدًا لحلم الحركة الوطنية المصرية منذ مطلع القرن العشرين فى عودة القناة إلى حضن الوطن. من هنا نتفهم سر التجاوب الشعبى المصرى والعربى لذلك القرار.
لكن رفض الغرب بأكمله القرار، ودخل فى مفاوضات مع مصر لحثها على التراجع عن التأميم. واعتبرت بريطانيا قرار التأميم بمثابة صفعة جديدة توجهها مصر إلى النفوذ البريطانى فى المنطقة. ووجدت فرنسا الفرصة لكى تواجه مصر، نظرًا لمساعدة مصر للدول العربية الواقعة تحت الاستعمار الفرنسى، فضلًا عن الارتباط المادى والعاطفى بين فرنسا وقناة السويس منذ أيام ديليسبس، وانضمت لهما إسرائيل التى استشعرت الخطر من صعود مصر بعد ثورة ٢٣ يوليو، لا سيما بعد تسليح الجيش المصرى بصفقة الأسلحة التشيكية.
وهكذا تبدأ وقائع ما عُرف فى الأدبيات المصرية بالعدوان الثلاثى، نظرًا لاشتراك كل من إنجلترا وفرنسا وإسرائيل فى الحرب ضد مصر، أو ما يعرف فى الأدبيات الغربية بحرب السويس. حيث بدأت إسرائيل فى ٢٩ أكتوبر باحتلال سيناء، وقامت كل من فرنسا وإنجلترا بتوجيه إنذار لمصر أعقبه الإنزال البرى فى بورسعيد.
ويتساءل البعض: هل انتصرنا فعلًا أم هُزمنا فى ٥٦؟ والسؤال فى الحقيقة يُعَبِّر عن غرض وهوى فى نفوس البعض. بطبيعة الحال كان من الصعب على مصر أن تنتصر عسكريًا على جيوش ثلاث دول، ولكن صمود مصر وتقديمها الاستجابة القوية أمام التحديات العاصفة آنذاك كان هو بحق النصر المبين.
صمد القرار المصرى ولم يتنازل عن التأميم، ولعبت الدبلوماسية المصرية على تناقضات الحرب الباردة، واستفادت مصر من ذلك معارضة كلًا من أمريكا والاتحاد السوفيتى للحرب، وضرورة وقف العدوان.
وانتصرت مصر بفضل المقاومة الشعبية حتى أصبح اسم مدينة بورسعيد يتردد صداه فى جميع أنحاء العالم، رمزًا وأيقونة للحرية ولشعبٍ استطاع أن يقطع ذيل الأسد البريطانى، انتصرت مصر بفضل خروج الشعوب فى جميع أرجاء العالم العربى، حتى أصبحت القاهرة بحق كعبة الأحرار.
هذا هو ٢٣ ديسمبر عيد النصر، وهذا هو تاريخنا.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف