الأهرام
د/ شوقى علام
مفهوم السنة والبدعة
أتمَّ الله تعالى نعمته على الناس كافة ببعثة خير الرسل وصفوة الأنبياء صلى الله عليه وسلم فكَمُل به الدين الحنيف والرسالة السمحة لتصل إلى العالمين بصورة نقية. ولا ريب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أرشدنا إلى الإتباع وبيَّن لنا سبيل ذلك، فأمرنا بالتمسك بالقرآن وما جاء به، فقال: «قد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به، كتاب الله» (صحيح مسلم)، ويُجمَع مع ذلك ما ورد عنه صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير، فقد شرح صلى الله عليه وسلم لأمته ما انطوى على القرآن الكريم من أحكام شرعيَّة، ومن ثَمَّ كانت السنة مبينة للكتاب وكاشفة له لا مبطلة له أو معطلة لأحكامه.

لقد اتخذ المسلمون السنة النبوية عبر عصورهم مصدرًا للتشريع بعد القرآن الحكيم، مع معرفة دقيقة بما ورد منها على سبيل القطع، وبما ورد على سبيل الظن، وتمييز حكيم بين ما جاء منها على جهة الوجوب، وما كان على سبيل الندب، وما هو من مكارم الأخلاق، أو ما كان مَبْنيًا على العرف والعادة والآداب العامة والذوق الإنساني.

هذه سمات جامعة للميزان الدقيق ومعالم واضحة لطريق الصحابة ومن بعدهم علماء الأمة فى تحديد معانى السنة وضوابطها ومعانى البدعة وشروطها؛ فالسنة هى الطريقة والمنهاج، والبدعة هى المحدثات والمخترعات على غير مثال سابق، سواء فى الأمور الدينية أو فى الشئون الحياتية، وقد وردا - السنة والبدعة - كأمرين متقابلين فى الأدلة الشرعيَّة، حثًّا لإتباع الأول، وتنفيرًا عن مقاربة مظاهر الثاني، حيث ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «من يعش منكم بعدى فسيرى اختلافا كثيرا، فعليكم بسنتى وسنة الخلفاء المهديين الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة» (سنن أبى داود).

والحقيقة أن هذه المقررات المنقولة والمتبعة فى بيان مواضع التأسى والاقتداء فى كل ما ورد عن النبى صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير لدى جمهور الأمة سلفا وخلفا تكشف عن صفات أصحاب الفكر المتشدد، لأننا نجد أنهم يوسعون مفهوم البدعة حتى شمل كل ما هو جديد لم يكن معهودًا من المسائل فى الزمن الأول لمجرد ذلك، فعاشوا عصرا غير عصرهم، وحكموا على علماء الأمة فضلا عن عامتها بالضلالة والزيغ، دون التفات إلى المناهج المقررة فى طرق الاستنباط من الأدلة، بالإضافة إلى أنهم قد فقدوا التحلى بالتجرد والتحرر من الهوى والمشرب.

كما أنهم اختزلوا هذا المفهوم فى الفهم والتطبيق، بداية من استقطاب الأتباع تحت شعارات «إتباع السنة» و«كتاب وسنة بفهم سلف الأمة» دون مراعاة لحقائقها، ومرورًا بالتخلص من الخصوم بالاغتيال المعنوى والتصنيف بأن هذا «صاحب بدعة»، وذاك «صاحب انحراف»، وانتهاء باعتقاد أن اختيارهم يُعبر دائمًا عن الحق والصواب، وكل ذلك من المنكر الذى يقطع به الإسلام وأهله.

وبذلك اتخذوا طريقًا موازيًّا لمقياس دقيق حرره العلماء الإثبات فى قبول هذه الأمور سواء كانت فى العقائد أو العبادات أو المعاملات أو الأمور الحياتية، حيث اشتراط الموافقة والاعتبار لهذه البدعة لأصول الدين وكلياته وعدم مصادمة القواطع، من خلال عرضها على قواعد الشريعة، وردها إلى مثيلاتها فى الكتاب والسنة وفق طرق الاستنباط المعروفة من أجل إصدار حكم شرعى مناسب لواقعها ومقصدها، فهى إما أن تكون واجبة أو محرمة أو مندوبة أو مكروهة أو مباحة، استنادًا إلى قوله صلى الله عليه وسلم: «من سن فى الإسلام سنة حسنة، فعمل بها بعده، كتب له مثل أجر من عمل بها، ولا ينقص من أجورهم شيء، ومن سن فى الإسلام سنة سيئة، فعمل بها بعده، كتب عليه مثل وزر من عمل بها، ولا ينقص من أوزارهم شيء» (صحيح مسلم/ 1017).

تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف