جمال سلطان
انتصار القدس .. انتصار للعرب والمسلمين
ما حدث في الأمم المتحدة أمس هو نصر سياسي كبير ومهم للغاية لفلسطين والعرب والمسلمين وقضية القدس وعروبتها ، في ظل الأوضاع العربية المتردية هذه الأيام ، وفي ظل توازنات قوى لم تعد لصالح العرب والمسلمين ، وفي ظل صورة ذهنية مخيفة ومحبطة عن العالم العربي والإسلامي أمام الشرق والغرب بسبب الأعمال الإرهابية التي تضرب عواصم العالم المختلفة والتي يقوم بها تنظيمات وأشخاص محسوبون على العرب والمسلمين ، وفي ظل الانقسامات الخطيرة التي تضرب العالم العربي وتضعف حضوره وتستنزفه معنويا وسياسية واقتصاديا وحتى أمنيا وعسكريا .
رغم كل ذلك ، أمس صوتت 128 دولة في مختلف أنحاء العالم ضد قرار الرئيس الأمريكي ترامب باعتبار القدس عاصمة للكيان الصهيوني ، وهو ما يعني حماية عروبة المدينة المقدسة ، ونزع الشرعية عن أعمال الكيان "الإسرائيلي" كافة التي تهدف لتغيير معالم المدينة وتسارع "تهويدها" بدعم أمريكي كبير ، ولم يصوت مع ترامب إلا حفنة صغيرة للغاية من الدول أو الدويلات 9 ، بعضها دول ربما يسمع عنها الناس لأول مرة من فرط صغرها وهامشيتها ، كما امتنع عن التصويت 35 دولة ، لحسابات مختلفة ، هذا يعني انتصارا ساحقا لفلسطين والعرب في المنظمة الدولية الأهم ، وهذا يعني هزيمة منكرة للكيان "الإسرائيلي" الغاصب ، كما أنه هزيمة منكرة لأمريكا ورئيسها ، خاصة عندما نتذكر أن من بين من صوتوا ضده حلفاءه في حلف الناتو بالكامل ، وفي مقدمتهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا ، كما أن التصويت كشف عن "هيبة" قضية القدس في الضمير العربي ، وأن كل ما نشر عن تنازلات عربية ، وبعض التصريحات الغريبة لوزير هنا أو مسئول هناك شكك في أهميتها أو اعتبرها "قضايا هامشية" كل ذلك لم يكن يعبر بشكل صحيح عن القرار العربي ، وأن التصويت العربي بالإجماع كان لصالح مشروع القرار "التركي" ولا يمكن تصور غير ذلك أصلا ، وهو ما يحسب للقادة العرب بدون شك ، مهما كانت التحفظات الأخرى .
الإدارة الأمريكية كانت تستشعر الموقف قبل التصويت ، ولذلك أطلقت مندوبته في الأمم المتحدة "نيكي هايلي" تحذيرها الطفولي بأنها ستكتب أسماء الدول التي ستصوت ضد قرار ترامب ، وأن عقوبات اقتصادية ستتخذ ضد هذه الدول ، وأعاد ترامب وجدد هذا التهديد ، وهو ما أثار سخرية عالمية واسعة وسخرية داخل أمريكا نفسها ، ومع ذلك كان هذا التصويت التاريخي الساحق صفعة على وجه الإدارة الأمريكية وإهانة لها ، وإظهارا لها بأنها ضد الإرادة الدولة ، وضد الأخلاق ومبادئ العدالة ، كما أن القرار أظهر أمريكا كأنها في عزلة عن العالم أو في حالة انتباذ غير مسبوقة .
لا أستريح للغة الإحباط والتشاؤم المزمنة لدى بعض المحللين والكتاب العرب ، الذين حاولوا التقليل من أهمية هذا المكسب السياسي الكبير ، وحكماؤهم يرددون : وماذا بعد ؟ وهل هذا سيغير شيئا في الواقع ؟ ومثل هذه النوعية الغريبة من أحاديث الاكتئاب السياسي الشهيرة عند العرب ، والذين يتصورون أن أي حدث لا يؤدي إلى تحرير القدس صباح غد ، وإلقاء "إسرائيل" في البحر المتوسط قبل أن تشرق شمس النهار ، فهو غير ذي معنى ولا قيمة ، هؤلاء صمتهم أفضل والله إذا كنا نقيس الأمور بمعيار المصلحة الفلسطينية والعربية ومصلحة القدس ذاتها ، إننا أمام معركة طويلة وتاريخية ، بأبعادها السياسية والإنسانية والثقافية والدينية والعسكرية أيضا ، وكل نصر في أي جانب من هذه الجوانب هو نصر ، وهو خطوة في طريق إنقاذ القدس وتحرير فلسطين وإعادة الحقوق المغتصبة لشعبها ، وكسب المعركة في النهاية هو تراكم الانتصارات ، والنصر مع الصبر ، وطول النفس ، والمهم أن نصحح البوصلة بصفة مستمرة ، ونعزز الصمود ، الصمود بأبعاده المتعددة : سياسيا وثقافيا ودينيا وإعلاميا وعسكريا ، ونعمل بذكاء على حشد الرأي العام العالمي لصالح القضية .
"إسرائيل" جزيرة إنسانية منعزلة وسط محيط عربي وإسلامي ، وهي تستميت يوميا لترويج أنها كسبت علاقة مع هذه الدولة أو تلك ، ولم تعد تلك "الاستغاثات" غير المباشرة وقفا على إعلامها فقط ، بل مسئولون كبار فيها يروجون هذا الكلام علنا وكأنهم "يسربون" أسرارا ، وهي طفولية سياسية مثيرة للدهشة ، وتعني أن "الوقت" يضغط على الكيان ، وإرهاق الحصار الإنساني والسياسي والثقافي والديني مخيف بالنسبة له ، وهناك إدراك متزايد بأن "إسرائيل" قد تتآكل من الداخل إذا طالت عزلتها وحصارها أبعد من ذلك .
الحق معنا ، والعدالة معنا ، والأخلاق معنا ، والتاريخ معنا ، والعالم معظمه معنا ، والوقت أيضا معنا ولصالحنا ، والنصر لنا في النهاية بإذن الله .