المصريون
رضا محمد طه
لقاح جديد للإنفلونزا كل عام لماذا؟
أي لقاح لابد أن يحتوي علي أجزاء من الميكروب أو الميكروب كاملاً فيروس كان أو بكتريا، وفي الحالتين يجب ان يكون الميكروب إما ميتاً أو ضعيفاً للدرجة التي لا يسبب فيها المرض، في الوقت نفسه يمكنه تحفيز الجهاز المناعي علي تكوين أجسام مناعية مضادة، كما تتكون خلايا لديها ذاكرة بشكل الميكروب وهيئته، لتبقي كحائط صد وخط دفاعي عند عزو نفس الميكروب ثانية. تلك الحالة الدفاعية لجهاز المناعة تبقي ثابتة ما لم يحدث تغيير في شكل الميكروب، وهذا الذي يتم مع بعض الفيروسات الاكثر ثباتاً في الشكل والتركيب، مثل فيروس الحصبة، وفيروس الإلتهاب الكبدي بي، بحيث لا يحتاج الناس للحقن باللقاح سنوياً.



لسوء الحظ، فيروس الإنفلونزا يعتبر من اكثر الفيروسات تمويهاً وهروباً من ملاحقة الجهاز المناعي، حيث وبمجرد دخوله الخلية، يقوم بإيقاف الإستجابة المناعية الضد فيروسية antiviral للخلايا، عن طريق تسخير آليات بالخلية لصنع نسخ عديدة منه، وفي تلك الأثناء، وبإستمرار تضاعفه يحث تغيير في شكله الخارجي، فتنتج بالتالي سلالات-تحت أنواع subtypes -تختلف قليلاً في جزء فقط من التركيب الخارجي لأسلافها من الفيروسات.



ولأن فيروس الإنفلونزا يحتوي علي حامض نووي من النوع "أر إن إيه RNA " فتكثر به الطفرات مقارنة بالفيروسات التي تحتوي علي "دي إن إيه DNA " وذلك لغياب إنزيمات تصحيح الاخطاء التي تحدث عند النسخ والتي تسمي "بروف ريدينج proofreading "، هذا إضافة إلي أن RNA الإنفلونزا سالب ومجزأ إلي ثمانية أجزاء كل جزء يحمل جين معين، ويكمن التغييرات السريعة التي تحدث في في الفيروس في الأجزاء التي تشفر لنوعين من الجليكوبروتينات موجودة علي سطح غلاف الفيروس، وهما "هيم أجلوتينين HA " و"نيورامينيداز NA "، وتسمي السلالات الجديدة-تحت الأنواع subtypes –حسب أرقام حرفي H و N ، مثلاً سلالة H1N1 و H3N2 ، تلك البروتينات هي التي يتعرف عليها الجهاز المناعي في الإنسان، فإذا حدث تغيير ولو بسيط في تلك البروتينات وحتي لو في حمض أميني واحد-وهي عملية تحدث طبيعياً ، مما يؤدي إلي فشل جهاز المناعة في عملية التعرف، ومن ثم تنجح الإصابة بالفيروس.



يحدث في فيروس الإنفلونزا نوعين من التغيير في الشكل، النوع الاول يحدث غالباً في الأوضاع والإصابات العادية، ويكون بطيئاً وبسيطاً ويحدث في بعض القواعد النيتروجينية فقط، ويسمي "حيود جيني antigenic drift " ، بينما النوع الثاني هو الإستثناء ويحدث فيه تغيير وتبادل لبعض أجزاء الفيروس الثمانية وهو حاد ويسمي "التغيير الجيني الحاد antigenic shift " وهو ما يؤدي إلي ظهور الوبائيات العالمية pandemic ، مثل التي حدثت في 1918، بسبب السلالة H1N1 واطلق عليها الإنفلونزا الأسبانية والتي أصابت ثلث سكان العالم ومات بسببها ما يقرب من 50 مليون فرد، والسلالة H2N2 في 1957 ، كما ظهرت سلالة جديدة واحدثت وباءاً عالمياً في 2009.



تلك الوبائيات تحدث فيما إذا حدث وأجتمعت سلالتين في خلية واحدة، فيحدث إختلاط وتبادل لأجزائهما الجينية، تلك العملية يسميها العلماء "تفنيط أو خلط re-assortment ، وهي غالباً تحدث في الخنازير والطيور المصابة بالإنفلونزا، والتي قد تنتقل الإصابة منهما للإنسان من خلال أماكن تواجدهم مثل المزارع، أو الأسواق، وغيرها، ولحسن الحظ فإن فيروسات الإنفلونزا المنقولة من الخنازير أو الطيور للإنسان، لا تتضاعف بصورة جيدة في الإنسان. لكن المشكلة الكبيرة تكمن فيما إذا حدث وإجتمعت –تلاقت-سلالة من إنفلونزا الإنسان واخري من الطيور في نفس الخلية، وذلك الحدث يطلق عليه العلماء "الإصابة الفائقة أو السوبر super infection "، حيث تتم عملية الخلط الجيني وتكون النتيجة سلالة جديدة علي جهاز المناعة للإنسان ومسببة الوباء العالمي، لذلك يلزم إنتاج لقاحات جديدة علي الأقل كل عام كي تتكيف مع السلالات الجديدة من الفيروس، والتي غالباً ما تكون للنوعين A وB ، بينما لا ينتج لقاح للنوع الأقل شيوعاً وهو النوع C .



تجتمع منظمة الصحة العالمية WHO مرتين في العام، إحداهما عن نصف الكرة الجنوبي والأخري في نصف الكرة الشمالي، لمناقشة السلالات الأكثر شيوعاً، ومن ثم تخرج بتوصيات عن السلالات والوبائيات المتوقعة، وكذلك المواصفات التي سوف تكون عليها اللقاحات الجديدة للإنفلونزا والتي تقي من أغلب السلالات لهذا الفيروس.



دكتور رضا محمد طه
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف