أمال عثمان
أوراق شخصية - صفعة مصرية علي وجه السياسة الأمريكية!
مثلما توقع العديد من السياسيين، استخدمت الولايات المتحدة حق »الفيتو»، لإجهاض مشروع القرار الذي تقدمت به مصر في مجلس الأمن، ردا علي قرار »دونالد ترامب» بشأن القدس، وذلك بعد أن وافقت 14 دولة علي مسودة القرار المصري الذي يدعو لإبطال القرار الأمريكي، ويطالب دول العالم بالامتناع عن نقل البعثات الدبلوماسية إلي القدس المحتلة.
لم تتوقع أمريكا هذا الإجماع الدولي المؤيد لمشروع القرار المصري، والرفض الكبير للقرار الأحمق الذي اتخذه رئيس أكبر دولة في العالم، لذا فإن السفيرة »نيكي هايلي» مندوبة أمريكا في الأمم المتحدة اضطرت صاغرة لاستخدام »الفيتو» لوقف مشروع القرار، بعد أن انتابتها حالة غضب وتجهم من هول المفاجأة، جعلتها تفقد صوابها وسيطرتها علي أعصابها، وتهدد وتتوعد الدول التي صوتت ضد أمريكا، ووصفت الموقف الدولي الرافض لقرار »ترامب » بأنه صفعة لأمريكا وإهانة لن تنسي أبدا!
وبذلك انتقلت الكرة لملعب الجمعية العمومية الأممية، التي لا تملك فيها الولايات المتحدة استخدام حق »الفيتو»، وهو ما أصاب »ترامب» بالجنون ودفعه إلي تحد سافر للمجتمع الدولي، وضرب عرض الحائط بكل الأعراف الدولية، وأطلق التهديد والوعيد لابتزاز وإجبار الدول علي الرضوخ والإذعان للتحرك الأمريكي، وأعلن علي الملأ وبكل صفاقة، حرمان الدول من المساعدات الأمريكية، إذا وقفت ضد قراره!!
ولم تتوقف التجاوزات والبلطجة الأمريكية، علي تلك الرعونة الدبلوماسية، والتهريج السياسي الذي أعلنه رئيسها، لإخضاع أعضاء الجمعية العمومية للانصياع لقراره، وإنما وصل الأمر إلي قيام السفيرة الأمريكية »نيكي هايلي» بإطلاق رسائل تحذير للعديد من الدول الأعضاء، و»تغريدات» علي تويتر، تفيد بأنها سوف تدوّن أسماء الدول التي استهدفت القرار الأمريكي، لإبلاغ »ترامب» الذي سيراقب عمليه التصويت بنفسه ، وحذرت من الإجراءات الانتقامية التي ستتخذها أمريكا لمعاقبة الدول الرافضة للقرار، وهددت بوقف دفع مستحقات الأمم المتحدة!!
وبذلت إسرائيل كل الجهود الدبلوماسية، ولم تدخر وسعا لاستقطاب بعض الدول، وكسب تأييدها في التصويت لصالح القرار الأمريكي، ووصل الأمر إلي قيام »نتنياهو» بالتوسل إلي رئيس وزراء التشيك لكسب تصوت بلاده، أو علي الأقل الامتناع عن التصويت، حتي لا يسجل التاريخ أن الاتحاد الأوروبي بكل أعضائه، صوت لصالح فلسطين!! ووصلت الوقاحة الإسرائيلية إلي توجيه الإهانات للأمم المتحدة، ونعتها »ببيت الأكاذيب»! كما تطاول مندوب إسرائيل علي الدول الرافضة للقرار الأمريكي ووصفهم بأنهم مجرد أرجوزات ودمي يحركها الآخرون!!
ولكن جاءت الرياح بما لا تشتهي إسرائيل، وبما لا تهوي أمريكا، وحققت الضغوط والتهديدات الفارغة نتائج عكسية، وجعلت العالم بأجمعه ضد إسرائيل وأمريكا، وتسببت في توحيد الاتحاد الأوروبي، الذي رفض سياسة ليّ الذراع، وتمسك بموقفه ضد قرار الرئيس الأمريكي، الذي كشف عن وجهه القبيح، ونزق ورعونة أفكاره، وصار عارا حقيقيا علي الولايات المتحدة، ووصمة عار في سجل تاريخ الرؤساء الأمريكيين!
إن مشروع القرار الذي تقدمت به مصر لمجلس الأمن، يعكس الموقف السياسي الرسمي، الذي جاء بمثابة صفعة قوية لأمريكا، بينما جاء الموقف الشعبي عبر كل من د. أحمد الطيب شيخ الأزهر الذي أعلن رفضه لقاء »مايك بنس» نائب الرئيس الأمريكي ، والبابا تواضروس الذي رفض استقباله خلال زيارته التي ألغيت ، بعد أن شعرت واشنطن أنها زيارة غير مرغوب فيها، وبذلك استطاع كل من الأزهر والكنيسة التعبير عن مشاعر الشعب المصري ، بمسلميه وأقباطه ، تجاه القرار الأحمق الذي أشعل غضب الأمة العربية والإسلامية ، وتوجيه صفعة مصرية أخري إلي وجه السياسة الأمريكية.
لقد أيقنت أمريكا وإسرائيل أنهما أصبحتا في عزلة دولية تامة، وأن العالم كله يرفض تلك الشطحات والرعونة الأمريكية، وذلك بعد تصويت 128 دولة لمشروع القرار الذي تقدمت به مصر، مقابل 9 أصوات فقط ضده، وتبني الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارا برفض إعلان الرئيس الأمريكي.
ورغم أن قرارات الجمعية العمومية غير ملزمة ، إلا أنها تعتبر انعكاسا حقيقيا يُعبر بوضوح عن الإرادة السياسية للمجتمع الدولي ، وإذا كان هذا القرار الأممي يصب بالفعل في مصلحة فلسطين، إلا أن حل القضية وإنقاذ القدس لن يتأتي في ظل التناحر والتقاتل والصراعات التي يشهدها الوطن العربي ، ولن يتحقق وسط المزايدات والاختلافات الطائفية والمذهبية ، وإنما يحتاج إلي تطوير جذري في الذهنية العربية ، وتغيير حقيقي للواقع المؤلم الذي نعيشه، وقيادات واعية تدرك كيف تنهض بالعقول وترتقي بالأفكار، وتوحد الأمة علي كلمة سواء.