بوابة الشروق
خالد سيد أحمد
عزوف اختيارى!
الانتخابات الطلابية التى جرت فى الجامعات المصرية أخيرا، شهدت ظاهرة لم يتوقف عندها الكثيرون، تمثلت فى ضعف الإقبال على التصويت من جانب الطلاب، ما أفقد تلك الانتخابات جاذبيتها المعهودة وحرارتها العالية ومنافساتها الشرسة، وهو الأمر الذى يحمل فى طياته «رسالة خطر»، بشأن التفاعل المرتقب مع الاستحقاق الرئاسى المقرر فى 2018، والذى يتعلق بمصير الوطن كله.

هجرة الصناديق أو «العزوف الاختيارى» عن المشاركة فى الاستحقاقات الانتخابية، كان إحدى سمات الحياة السياسية قبل ثورة 25 يناير 2011، إما لشعور المواطنين بعدم جدوى مشاركتهم فى التأثير على صانع القرار السياسى، أو لـ«التدخل الثقيل» من جانب بعض الأجهزة، من أجل «هندسة» نتائج تلك الاستحقاقات وضبطها وفق هوى ومصالح السلطة القائمة وقتها، ما منحها دائما حرية فى الحركة والتصرف والقرار، من دون الخوف من نتائج الصناديق، التى كانت محسومة سلفا لصالحها!.

بعد نجاح ثورة 25 يناير، شعر المصريون بان لأصواتهم قيمة، فبدأوا فى التعاطى مع قضايا الشأن العام بحماس بالغ، الأمر الذى انعكس على حجم المشاركة فى الاستحقاقات الانتخابية المتتالية، حيث صوت نحو 19 مليون ناخب على التعديلات الدستورية، التى طرحها المجلس الأعلى للقوات المسلحة للاستفتاء العام فى 19 مارس عام 2011، وفى أول انتخابات برلمانية بعد الثورة، والتى جرت فى عام 2012، صوت نحو 32 مليون ناخب بنسبة تفوق 60% ممن لهم حق التصويت، أما الانتخابات الرئاسية التى جرت فى العام نفسه، فقد صوت فى الجولة الأولى 23.6 مليون ناخب، وفى جولة الاعادة صوت 26.4 مليون ناخب.

ارتفاع حجم المشاركة، لم يتواصل بنفس الوتيرة بعد ثورة 30 يونيو 2013، وبدأ المواطن المصرى فى العودة إلى «ديدنه القديم» فى «العزوف الاختيارى».. ففى أول استحقاق بعد تلك الثورة، والمتمثل فى الاستفتاء على دستور 2014، صوت نحو 20.6 مليون ناخب، ثم صوت نحو 25.2 مليون ناخب فى الانتخابات الرئاسية التى جرت خلال العام نفسه، وأخيرا بلغ عدد المصوتين فى انتخابات مجلس النواب، التى جرت فى عام 2015، نحو 15.6 مليون ناخب فقط، أى نصف عدد المصوتين فى برلمان 2012.

فقدان شهية المشاركة فى الاستحقاقات الانتخابية لم يأت من فراغ، وإنما هناك الكثير من الأسباب التى ساهمت فى بلورة هذه الحالة، أهمها على الإطلاق «موت السياسة»، وهنا مفارقة لا تخلو من دلالة، تشبه «الكوميديا السوداء» التى تثير السخرية، اذ ان هذا البلد الذى مر بتجربتى فعل ثورى خلال ثلاثة أعوام، كانتا كفيلتين بفتح شهية الجميع للمشاركة وتشييع «العزوف الاختيارى» إلى الأبد، اضحت السياسة فيه ترفا لا تحتاجه المرحلة، والتفاعل مع القضايا العامة جريمة لا تغتفر، والإعلان عن النية فى خوض غمار المنافسة على أرفع المناصب فى الدولة، عار وخيانة وعمالة لـ«أعداء الوطن»!.

موت السياسة ترافق مع محاولات متواصلة لخنق المجال العام، وإطلاق العنان لخطاب اعلامى احادى النزعة، جعل مختلف المنصات تتحدث بلغة ومفردات متشابهة تصل إلى حد التطابق، رافعة شعار «الاصطفاف خلف الدولة»، وكأن هذا الاصطفاف لا يتحقق إلا بالصوت الواحد، رغم أن التنوع والاختلاف والتعدد هو جوهر أى مشروع وطنى حقيقى لتشكيل جبهة متماسكة تدعم الدولة، وعكس ذلك ليس أكثر من مجرد «تجمع ببغاوات»، أصاب الكثيرون بالنفور ودفعهم إلى العزوف الاختيارى عن المشاركة، وهو الأمر الذى لم يحدث فى انتخابات الأندية التى شهدت إقبالا هائلا، نظرا لاقتناع المشاركين فيها بأنها انتخابات حقيقية تتيح فرصا متساوية بين المرشحين، وفيها تنوع وتعدد وبرامج مختلفة.

ربما ترى السلطة ــ أى سلطة ــ فى العزوف الشعبى عن المشاركة، فرصة نادرة لفرض رؤيتها على المجتمع، من دون خوف أو خشية من «عقاب الصناديق»، لكنه تصور خاطئ، لن يحقق سوى الاستقرار الوهمى «المؤقت»، وقد يفتح الباب ــ حال لم تتغير الظروف التى تقنع المواطن بجدوى وقيمة المشاركة فى تحقيق التغيير المنشود ــ أمام هزات سياسية قوية ومفاجئة، مثلما حدث فى يناير 2011!.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف