الفكر لا يشيخ والكاتب الفذ يظل عقله ينبض بالابداع دائما.. يضيف كل يوم جديدا ويدفع في خضم الحياة بالأفكار المضيئة والمعلومات المتجددة.
لا يستطيع عقلي قبول ان كاتبا أو شاعرا أو صحفيا يقال له اسكت كفاك كتابة وكفاك ابداعا وكفاك اضافة كلمة يحتاجها المجتمع أو العقل الإنساني.
الكاتب المبدع لا يتوقف عن التنفس حيث ان الكتابة هي الرئة التي يتنفس بها وبغيرها يموت معنويا ويخفت نبضه المستمر ويتملكني الاستغراب ان الصحفيين وهم طليعة المفكرين في مصر ونبض الأمة ولسانها المعبر عما يجيش في المجتمع من أفكار وصور وطموحات يحالون إلي التقاعد بل من المضحك المبكي وشر البلية ما يضحك ان نقول للصحفي كفاك عملا وكفاك غوصا في المجتمع وعليك ألا تضطلع بمسئولياتك نحو أمتك وقد بلغت الستين.
قد يقول قائل: ان الصحفي بعد التقاعد له الحق في الكتابة بصحيفته أو بغيرها.. نعم.. لكن مجرد القول بأنه بلغ الستين وهو سن التقاعد يبعث في نفسه الاحساس بالاستغناء عنه وقد يؤدي ذلك إلي شعوره بعدم الرغبة في الانتاج الفكري ويبث في نفسه الحزن والمرارة فلماذا نحرمه من الاداء مادام قادرا علي العطاء ومقبلا علي التجديد دائما مضيفا إلي ما قدمه طوال سنوات عمله من فكر واضاءة دروب العمل السياسي والوطني والاجتماعي.
إذا كان الطبيب تزداد خبرته وحكمته بقدر ما يعرض عليه من حالات مرضية تقتضي منه البحث وان المحامي تزداد خبرته بالقضايا التي يمارس العمل فيها أمام المحاكم طالما لم يتقاعس عن القراءة والاطلاع ومتابعة احكام المحاكم كما ان القاضي تكتمل خبرته وعملا بتحقيق العدل بتنويعات القضايا التي تعرض عليه ومعالجتها والتصدي للفصل فيها بعد بحث وتنقيب في أضابير المحاكم العليا والسوابق القضائية والاطلاع المستمر علي كتب الفقه والشروح القانونية وكلما كبرت سن واحد من هؤلاء جميعا زادت خبرته فمن ثم فإن الكاتب أو الصحفي يزداد خبرة بمهنته بمتابعة الجديد في الفكر والاهداف القومية والعالمية والكتابة فيها والادلاء بدلوه في كل ما تحتاج إليه الأمة من مشورة ورأي.
الصحافة هي المرآة التي يفرح بها الحاكم بالنظر إليها دائما لتبصره بخطواته وتصحح له اتجاهاته وتنير له مقاصده هي الناقوس القوي الذي يدق دائما في آذان المسئولين عن الأوطان وقادة الشعوب والحاكم العادل اليقظ هو الذي يتخذ من الصحافة والصحفيين له سندا ومرشدا واختلاف الآراء وتضاربها ومناقشتها ظاهرة صحية للوصول إلي الرأي الصحيح والقاطع في شئون البلاد.. رأي يدفع رأيا وفكر يناقش فكرا حتي تستقر العقول والأفكار في طريق العدل والديمقراطية والسلام الاجتماعي شريطة التجرد من اهداف شخصية وتطلعات أنانية.
إذا كانت الجيوش سلاحها البارود والنار فإن الصحافة الحرة سلاحها القلم وقوتها الكلمة تبعثها لتنقذ حاكما من الخرافة والشعب من مستبديه.. وحين تصدر الكلمة من شيوخ المهنة وحكمائها فإنها لا تقل تأثيرا وحكمة يحتاجها المجتمع من شباب متحمس ومبتكر كل جديد فهل يصح ان يحرم المجتمع أو الوطن أو الدولة من شيوخ الفكر وأئمة الصحافة لمجرد انهم وصلوا إلي سن الستين.. ان احتجاب صحفي وطني مخلص عن الكتابة هو حرمان ومنع للحياة الصحفية من خبرته ومنع للعقل ان يجوب في حياتنا ليبصرنا ويحيينا فهل للدولة ان تعيد النظر في سن الاحالة إلي التقاعد بالنسبة للصحفيين الذين ملأوا الحياة نفعا وأثروا الصحافة الوطنية بأقلاهم وعشقهم للوطن.
"يتبع"