الجمهورية
د. محمد مختار جمعة
بلاغة القرآن الكريم وأثرها في تكوين الداعية
من خلال تجربة طويلة في مجال العمل الدعوي أستطيع أن أؤكد أن أكثر أساليب الدعوة تأثيراً في النفوس هي تلك التي تنطلق من بيان القرآن الكريم وأوجه إعجازه وحسن فهم مقاصده ومراميه . ذلك أن المتلقي للنص القرآني . إنما يتلقي من المعين الأصفي ذلك أن القرآن الكريم إنما هو كلام رب العالمين الذي لايناله التحريف ولا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو الذي يهجم عليك الحسن منه دفعة واحدة فلا تدري أجاءك الحسن من جهة لفظه أم من جهة معناه إذ لا تكاد الألفاظ تصل إلي الآذان حتي تكون المعاني قد وصلت إلي القلوب فلم تلبث الجن إذ سمعته أن قالوا : "إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلي الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا" وما أن سمعه الوليد بن المغيرة حتي قال : "والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة وإن أعلاه لمثمر وإن أسفله لمغدق وإنه ليعلو ولايعلي عليه".
وهو القول الفصل ليس بالهزل من قال به صدق ومن حكم به عدل لايشبع منه العلماء ولايخلق عن كثرة الرد ولا تنقضي عجائبة وما أن سمع أحد الأعراب قوله تعالي : "وقيل يا أرض ابلعي ماءك وياسماء أقلعي وغيض الماء وقضي الأمر واستوت علي الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين" حتي انطلق قائلا : إن هذا لهو كلام رب العالمين لايشبه كلام المخلوقين وإلا فمن ذا الذي يأمر الأرض أن تبلع ماءها فتبلع ؟ وبأمر السماء أن تقلع عن إنزال الماء فتقلع ؟ إنه رب العالمين ولا أحد سواه.
وسمع الأصمعي فتاة بليغة فصيحة فقال لها ما أبلغك وما أفصحك فقالت : أي بلاغة وأي فصاحة بعد بلاغة وفصاحة كتاب الله "عز وجل" فقد جمع في آية واحدة بين أمرين ونهيين وخبرين وبشارتين وذلك حيث يقول سبحانة "وأوحينا إلي أم موسي أن أرضعيه فإذا خفت عليه فألقيه في اليم ولا تخافي ولا تحزني إنا رادوه إليك وجاعلوه من المرسلين".
وإذا كان الأمر كذلك فإن إبراز أوجه العظمة والبلاغة والفصاحة والإعجاز في القرآن الكريم إنما يسهم في ترسيخ القيم الإيمانية والأخلاقية والإنسانية شريطة أن نحسن فهم مرامي النص وأن نحسن أداءه وأن نحسن توصيل تلك المعاني لنجعل المتلقي يعيش تلك المعاني حساً وروحاً وتأثراً ومعايشة ولايتأتي ذلك إلا إذا كان الداعية أو الخطيب قدوة ينقل من إحساسه ومشاعره الإيمانية ما يؤثر في وجدان المتلقي وأن يتمتع بقدر من البلاغة والفصاحة والبيان يجعله قادراً علي حسن توصيل تلك المعاني والدلالات التي يحملها النص الكريم.
مؤكدين أن حسن فهم النص وتأصيل وترسيخ هذا الفهم لدي الشباب أحد أهم محاور مواجهة التطرف الفكري مما يتطلب نشر الثقافة الرصينة القادرة علي فهم نصوص الكتاب والسنة فهماً دقيقا يغلق الأبواب ويوصدها أمام المتطرفين الذين يريدون استقطاب خيرة شباب الأمة من خلال بث ونشر مفاهيمهم الخاطئة التي نعمل بما أوتينا من قوة علي مواجهتها وتصحيحها وتحصين شبابنا من شرورها مؤمنين أن التمكن من اللغة والثراء الثقافي ودقة فهم النص القرآني والنبوي أحد أهم محاور المواجهة وتصحيح المفاهيم ففهم الكتاب والسنة فهما صحيحاً فرض واجب ولايتم إلا بمعرفة اللغة العربية والتمكن منها والوقوف علي جوانب البلاغة والإعجاز سواء في النص القرآني أم البيان النبوي وما لايتم الواجب إلا به فهو واجب ومن هنا يأتي اهتمامنا بلغة القرآن الكريم وبلاغته وأسرار بيانه ووجوه إعجازه في مجال تدريب الأئمة والخطباء.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف