المصريون
جمال سلطان
ما الذي يقلق السيسي ؟
أي مشروع جديد يتعلق بالبنية الأساسية للبلد ، سواء في الطرق أو الكباري أو الأنفاق أو المواصلات هو حدث جدير بالاهتمام الشديد وبالترحيب ، لأنه إضافة تصل للمواطن نفسه بشكل مباشر ، ويستفيد منها الملايين من المواطنين بصورة يومية ، بل وعلى مدار الساعة ، ولذلك كان حدثا سعيدا الإعلان عن إنجاز عدد من المشروعات في منطقة قناة السويس ، وهي بالفعل تشهد زخما كبيرا في الأشهر الماضية ، وإن كان ليس بنفس الوعود التي أطلقها السيسي قبل ثلاث سنوات ، لأن الأنفاق التي كان وعد بها تقلصت إلى أربعة أنفاق ، والمدة الزمنية المقررة انتهت ولم ينجز منها شيء ، لكن المهم أن العمل مستمر ، وأنا أقلق كثيرا من تركيز الرئيس على حكاية "الزمن" والمدة الزمنية ، هذا ليس المعيار الوحيد للإنجاز ولا حتى الأهم ، هناك معايير تتعلق بالجودة والسلامة والأمان أهم كثيرا من "المدة الزمنية" ، خاصة وأن بعض المشروعات التي استعجلنا عليها تسبب انهيارها في كوارث إنسانية راح ضحيتها مواطنون لا ذنب لهم ، كما أنه لا يصح أن يقارن الرئيس بين إنجاز نفق الشهيد أحمد حمدي في السويس والمدة التي استغرقها وما يجري اليوم ، لأن هذا متعلق بإنجازات غيره وليس بإنجازاته ، متعلق بإبداع شركات غربية في تطوير آلات الحفر العملاقة والخدمات المعاونة لها على مدار ثلاثين عاما تقريبا من البحث العلمي والتجريب والتطوير الذي حدث في ظل نظم سياسية شفافة وديمقراطية ومدنية ، فهذا التطور التقني المدهش الذي أنجزته تلك الدول هو الذي اختصر مدد إنشاء الأنفاق وليس الحكمة أو الخبرة السياسية للسيسي أو مبارك أو أي قائد سياسي .
زيارة السيسي للإسماعيلية اليوم هي أقرب للحدث الانتخابي والإعلامي منه لافتتاح مشروعات تستحق بالفعل ، فلا يوجد نفق واحد تم إنجازه ، ومسألة الكباري العائمة من الصعب الحديث عنها كمشروعات قومية بل هي مشروعات مؤقتة ، مثل كوبري الفردان القديم ، لحين الفراغ من الأنفاق ، ومع ذلك فهي إضافة جديدة تيسر عملية الانتقال ـ مؤقتا ـ بين ضفتي القناة في الإسماعيلية والتي كانت تعتمد على معديتين تتحركان في منطقة "نمره 6" وتصل طوابير انتظار السيارات فيها أحيانا إلى اثنين كيلو متر ، لكن السؤال الذي يشغلني هنا بالفعل هو لماذا يتم تعطيل كوبري السلام بالقرب من مدينة القنطرة ، وهو كوبري عملاق وحديث وتم بخبرة يابانية وتم إنجازه على أعلى مستوى في نهاية عهد مبارك ، وكان ييسر الحركة التجارية والانتقالات بشكل كبير بين سيناء والدلتا ، وتعطيله خسارة كبيرة وفادحة ، وأعتقد أنه لو جرى تأمينه بشكل جيد سيكون أفضل كثيرا من الكباري العائمة التي دشنها الرئيس اليوم .
تحدث السيسي في كلمته اليوم ، على هامش افتتاح تلك المشروعات ـ بشكل عابر عن الحالة السياسية والأمنية التي تعيشها البلاد حاليا ، وكان واضحا انزعاجه ، وإدراكه أن الناس تتساءل عما يجري ، وأن الناس قلقة مما يجري ، وأن الثقة في إدارة البلاد وشئونها أصبحت على المحك أمام الناس ، لذلك تحدث الرئيس بإلحاح على أنه "لا يبيع الوهم" وأن هناك إنجازات حقيقية ، وأن أحدا لن ينال منا ومن أرضنا ومن أمننا ، وأنه وجه القوات المسلحة لدحر الإرهاب بمنتهى العنف ، وهي عبارة تذكرنا بحديثه قبل أسابيع عن "القوة الغاشمة" ، وبعدها جرى ما جرى ، ليتأكد الناس بأن دحر الإرهاب ليس طريقه القوة الغاشمة ، وإنما القوة العاقلة ، قوة العقل السياسي الذي يدرك أن المواجهة لها أبعاد مختلفة وأنها معركة وطن بكامله ، وليست معركة جيش وشرطة أو قوة غاشمة ، ولا حتى معركة رئيس وحكومة ، وإنما أحزاب وقوى سياسية ومجتمع مدني وإعلام وصحافة وجامعات ومساجد وكنائس ونقابات ، فعندما تهمش كل ذلك أو تفرغه من جوهره أو تقمعه أو تحاصره أو تضعه تحت إجهاد الملاحقات المتنوعة أمنيا وقضائيا وإداريا ، فأنت تشل جزءا كبيرا من قدراتك على المواجهة وتخدم عدوك .
تحدث السيسي اليوم عن أنه لا يخشى شيئا طالما أن المصريين يد واحدة ، وهو كلام صحيح ، ولكن السؤال هنا : ماذا فعلت كرئيس وقائد للوطن لكي يكون شعبك يدا واحدة في مواجهة تحدياته ؟! .
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف