المساء
خيرية البشلاوى
رنات عهد التميمي تقلب الأسطورة الصهيونية
"أسطورة داوود وجوليات" المأخوذة عن الكتاب المقدس والتي تم إقتباسها في عدة أفلام هوليودية وإسرائيلية. هذه الأسطورة تمثل المركز في الفكر الصهيوني قبل وبعد إقامة دولة إسرائيل.
وبعد الانتشار الواسع لصور الفتاة الفلسطينية عهد التميمي التي لطمت الجندي الإسرائيلي وتصدت للاحتلال العسكري الصهيوني. طالب وزير التعليم الإسرائيلي بحبسها هي والفتاة التي كانت معها مدي الحياة حيث عين نفسه مكان القاضي والجلاد في آن واحد.
ولكن تصدت أصوات يهودية وإسرائيلية إذ تبنت مواقف منصفة للفتاة ولقضيتها ننقل بعضها هنا عن موقع مجلة رقمية تعبر عن الصحافة الإسرائيلية المستقلة غير الربحية "«972" التي تقف إلي جانب حقوق الإنسان وسلام عادل للصراع بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
لقد تسببت صور الفتاة الفلسطينية الشقراء في حرج شديد فكيف تصفع فتاة صغيرة رجلاً. ومسلمة تضرب يهودياً. وبنت من العامة تتصدي لممثل السلطة والنظام وطالبة عزلاء تضرب رجلاً مدججاً بالسلاح؟؟!
إنها قوة الحق الذي يتنكر له العسكري الممثل للدولة الصهيونية. لقد أصابت عهد التميمي الأدوار التقليدية في أسطورة "داوود وجوليات" وقلبت الأدوار عن الأسطورة التي كان اليهود يمثلون رغم ضعفهم القوة المنتصرة علي الأقوياء.
وصورة "اليهودي الجديد" كما ظهر في الطبعة الحديثة من أسطورة "داوود وجوليات" التي قدمها تيودور هرتزل مؤسس الصهيونية السياسية في روايته "أرض قديمة جديدة" ظهرت عام 1902 وتم ترجمتها من الألمانية إلي العبرية في إسرائيل بالإضافة إلي لغات أخري.
يظهر "داوود" الطبعة الحديثة في بداية الرواية كصبي فقير يكاد أن يتجمد من البرد. يضع حذاء ممزقاً ويتسول في شوارع مدينة فيينا.
وبعد عشرين سنة نلتقي به في "حيفا" كما كانت تسمي وقتئذ.. وقد أصبح رجلاً حراً. يتمتع بصحة جيدة. ومتعلماً. جاد التفكير. ومحترماً يحترمه العالم.
فكيف حصل هذا التحول؟؟
في المقالة التي كتبها زائييف جاكوبتنسكي عام 1903 بعنوان "التعليم العبري" يقول: عندما كنا نجهز لاستكشاف الأعمال العنيفة والمذابح المنظمة ضد اليهود كنت أنا أحد فريق الكشافة مع اثنين من الأصدقاء واتخذنا من ملحمة "الأوديسة" اليونانية نموذجاً فأخذنا نبحر عبر الأسواق والتجمعات عن أي علاقات تدل علي الخروقات التي تكشف عن معاداة السامية.. وفي أثناء هذه الجولات كما نشق طريقنا وسط الجماهير ونستخدم أفضل ما تعلمناه من التعبيرات باللغة الروسية ونتحدث بلهجة سكان موسكو. ولم يكن ذلك بدافع الخوف كما يقول جاكوبتنسكي وإنما لأننا تعودنا أن نخفي يهوديتنا. وفي نهاية الشارع التقينا ببائع متجول يهودي بلحية وضفيرتين علي جانبي وجهه وبالطو أسود طويل. حسب الزي التقليدي لليهود ويبدو عليه الخوف الشديد من جموع الناس وبالرغم من ذلك لم يفعل شيئاً حتي يخفي يهوديته.
ويقول الكاتب متأملاً:
ذلك الذي يخاف. يري نفسه الأكثر حرية منا نحن جميعاً. ربما نحن خائفون أيضا. ولكننا علي نحو غريزي أخفينا ما قام هذا الرجل اليهودي بكشفه حتي يراه العالم أجمع.. فهذا الرجل العجوز المذعور في شوارع فيينا استمسك بشخصيته اليهودية بينما حاولنا نحن أن نداريها.
إن الدرس المستفاد هنا من هذه القصة أصبح فيما بعد هو جوهر الفلسفة التعليمية لدي جاكوبتنسكي.. فالأساس القومي هو ما نحتاج تعليمه للشباب اليهودي وذلك حتي نتخلص من كراهية الذات ونعيد احترامنا لأنفسنا.
أوليس هذا هو ما فعلته عهد التميمي؟؟ صبية فلسطينية رفضت الخنوع ودافعت عن قوميتها وحقها المشروع.
إنها ليست مجرد مسألة تاريخية. سبعون سنة من الاستقلال. وجيش قوي منتصر قادر علي إنزال الهزيمة. وحين كنا أقلية وقفنا ضد الغالبية. وكنا ضعفاء في مواجهة قوي أكبر وكانت فرص النجاح معدومة. ولو كان بن جوريون يفكر بعقلانية لما كنا قادرين علي إقامة دولة.
إنه نفس التفكير الذي جعل عهد التميمي تهجر الحسابات التقليدية. والتفكير العقلاني وتندفع بإيمان وعزيمة للدفاع عن حقها وحق الشعب الفلسطيني الذي أصبح محاطاً بقوي مدججة بالسلاح. ومسلحاً فقط بإيمان أجياله بقوة الحق في الحياة والأرض ورسوخ إيمانه بأنه صاحب الأرض.
فليس من قبيل المصادفة أن تتحول أسطورة "داوود وجوليات" المأخوذة عن "سفر النبي صموئيل" إلي رمز للصراع بين قوتين غير متكافئتين ينتصر فيه الأضعف "داوود".. الأضعف الآن الفلسطيني وليس اليهودي.
كم عدد الدول الذين حاربوا "داوود" عام 1948 وكانت دولة صغيرة عمرها يوم واحد وتحارب عدة جيوش وتنتصر عليهم؟؟
هناك بالطبع مغالطات وتواريخ وظروف دولية تم تحريفها تلازمت مع مشروع إقامة الدولة الصهيونية وظروف استمرار وجودها.. ولكن أليس في هذا جوهر الدرس الذي يقول كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة بالإيمان.. إنها الأسطورة مقلوبة.
أولم تهزم فيتنام أمريكا بكل ما كانت تملكه أليس هذا ما تمثله عهد التميمي التي تدافع عن شرف قوميتها وقداسة ما تؤمن به؟ لقد تجاهلت الحسابات ووثقت في الله وقوة الإرادة وتقوت بالحق وقلبت الأسطورة والأوضاع.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف