الوطن
د . ابراهيم السايح
عباس الأبيض
تقول الصحف إن شخصاً يدعى ممدوح عباس كان رئيساً لنادى الزمالك منذ عدة سنوات، وإنه أقرض النادى المذكور مبلغاً من المال يصل إلى أربعة وثمانين مليوناً من الجنيهات، وإنه تعرض فى المقابل إلى الطرد من النادى وتجميد العضوية فضلاً عن أكبر قدر من الشتائم ناله أى شخص فى تاريخ النادى الأبيض. هذا المواطن رفع عدة دعاوى قضائية لاستعادة حقوقه المادية لا المعنوية، وحصل على أحكام نهائية ضد النادى تؤكد أحقيته فى الحصول على الملايين المذكورة، ولكن مجلس الإدارة الحالى والسابق قررا رفض تنفيذ هذه الأحكام، وقال السيد رئيس النادى إنه لن يدفع سوى أربعة ملايين فقط من فلوس ممدوح عباس، وبشرط أن يتنازل الأخ ممدوح عن قضاياه وعن باقى أمواله حتى ينال الملايين الأربعة ويستعوض الله فى الملايين الثمانين!

هذا الكلام العجيب تنشره الصحف بين الحين والآخر منذ عدة شهور، ولكن أحداً لا يقول كيف تكون لشخص ما أموال بكل هذا الحجم لدى كيان اعتبارى معروف للكافة ثم يصر الكيان الاعتبارى على عدم الاعتداد بالأحكام القضائية ويرفض أداء الديون المستحقة عليه، وإن كان السادة القائمون على شأن الدولة يداهمون المنازل للقبض على سيدة فشلت فى سداد قسط ثلاجة أو غسالة أو مروحة ويزجون بها فى غياهب السجون، فأين هم من نادٍ رياضى واجتماعى يرفض سداد أربعة وثمانين مليوناً من الجنيهات لمواطن حاصل على أحكام نهائية ضد هذا النادى؟ وإن كان الأمر على غير هذه الصورة التى فهمها الناس من وسائل الإعلام فلماذا لا يتفضل أصحاب الشأن بتوضيح الصورة أمام المجتمع حتى لا يفقد الناس الثقة فى القضاء والشرطة والحكومة والدولة؟



الوجه الآخر والأكثر أهمية فى هذا الشأن هو علاقة الأندية برؤسائها، وكيف يتحول النادى إلى جزء من ممتلكات رئيسه نتيجة الإمكانيات المادية أو المعنوية أو السلطوية لذلك الرئيس. ففى عهد الحاج سيد متولى كان النادى المصرى يرتبط تماماً بشخص رئيسه، وكان الحاج سيد هو صاحب الشأن فى بيع وشراء اللاعبين والمدربين، وكان كـ«عباس الأبيض» يدفع من ماله الخاص لتسيير أمر النادى واللاعبين. وفى عهد محمد مصيلحى فى نادى الاتحاد السكندرى كان الرجل يتكفل هو الآخر بدفع التزامات النادى تجاه اللاعبين وسائر الشئون الأخرى، ونجح هذا العام بالتزكية رئيساً للنادى ليواصل هذه السياسة بعد أن فشل الرؤساء الفقراء فى إدارة النادى بطريقة محمد مصيلحى. وكان النادى الإسماعيلى يدار بنفس هذا الأسلوب فى عهد بعض الرؤساء سواء من آل عثمان أو من الآخرين.

وقبل ظهور الاحتراف نجح النادى الأولمبى السكندرى فى الحصول على بطولة الدورى العام بفضل رئاسة الفريق سليمان عزت قائد القوات البحرية الذى أمر بدمج نادى البحرية فى النادى الأولمبى ثم تكفل بإعاشة النادى واللاعبين.

وفى الإسكندرية أيضاً كانت وما زالت هناك أندية يملكها أصحابها رغم وجود كيانات شكلية لا قيمة لها مثل مجلس الإدارة والجهاز الفنى والإدارى، ولعل أشهر ما يتذكره السكندريون فى هذا الصدد هو نادى «شباب النيل» الذى كان يملكه ويديره صاحبه المعروف باسم «الكابتن حميدو». كان هذا الرجل هو صاحب ورئيس النادى، وكان مسئولاً عن اختيار الفريق، ومسئولاً عن تدريب الفريق، ومسئولاً عن خطط المباريات، ومسئولاً عن مكافآت اللاعبين، ومسئولاً عن تغذية وكسوة اللاعبين داخل وخارج النادى، ومسئولاً عن شتيمة اللاعبين أثناء التدريبات والمباريات، كما كان المسئول الأول والأخير عن الاعتراض على الحكام واتهامهم بالانحياز ضد فريقه، كما كان المسئول الوحيد عن شراء وبيع المباريات فى صراع القمة والقاع بدورى المناطق الذى كان يشارك فيه النادى قبل ظهور دورى الدرجة الرابعة والدرجة الثالثة، والأطرف من كل هذا أن نادى شباب النيل لم يكن له مشجعون كالأندية الأخرى، وكان الكابتن حميدو هو المشجع الأول والأخير لفريق الكرة فى النادى، وكان يتولى مهام الهتاف للفريق حين يفوز والهتاف ضده حين يخسر!!

وفى الوجهين البحرى والقبلى أندية كثيرة يملكها ويديرها أصحابها دون أى مجالس إدارة حقيقية أو أجهزة فنية وإدارية. ولعل أبرز ما شاهده الناس فى شأن هذه الأندية هو ما حدث أثناء إحدى مباريات دورى الدرجة الثانية (مجموعة قبلى) حين كانت قناة «مودرن سبورت» تنقل المباراة على الهواء، وكان ملعب المباراة يتضمن فى أحد جوانبه منزل السيد رئيس النادى، وأثناء المباراة كانت السيدة زوجة رئيس النادى تقوم «بنشر الغسيل» فى بلكونة المنزل، ونقل المخرج هذه الصورة الكوميدية للمشاهدين وعلق عليها المذيع قائلاً إن رئيس النادى هو صاحب هذه الأرض التى تقع أمام منزله، وإنه تنازل عنها وحوّلها إلى ملعب كرة قدم للنادى، ولكنه احتفظ بمنزله داخل هذا الملعب!!



رئاسة الأندية الرياضية والاجتماعية عمل تطوعى، هكذا يقول القانون وهكذا تؤكد اللوائح الخاصة بهذا الشأن. ولكن الواقع يختلف تماماً عن القانون.

ففى النادى الأهلى -مثلاً- أنفق المرشحان للرئاسة ما يقرب من نصف مليار جنيه فى الدعاية الانتخابية، أحدهما رجل أعمال قال صراحة إنه يستثمر رئاسة النادى فى تسيير وتيسير أعماله التجارية ويكسب من وراء ذلك أضعاف ما أنفقه فى الدعاية. وفى أندية أخرى يستغل رؤساء الأندية موقعهم وجماهير أنديتهم فى الوصول لمقاعد البرلمان أو التعامل المباشر مع كل قيادات الدولة مما يمنحهم نفوذاً وسلطات تتيح لهم تحقيق أكبر قدر ممكن من المكاسب المادية والمعنوية. وفى نوع ثالث من الأندية الرياضية يحقق رئيس النادى ملايين الجنيهات من صفقات بيع وشراء وإعارة اللاعبين، ويقال فى هذا الشأن إن بعض اللاعبين يتم إجبارهم على تقاضى نسبة من عقودهم والتغاضى عن نسبة أخرى تذهب لجيوب السادة أصحاب هذه الأندية أو رؤسائها، وأحياناً تذهب للمدير الفنى المسئول عن التعاقد، وثمة مدربون معروفون بالاسم يمارسون حرفة التربح من عقود اللاعبين أكثر مما يمارسون حرفة التدريب!

والأهم من كل هذا أن قوانين الهيئات والأندية الرياضية تتضمن بنوداً تكرس استبداد رئيس النادى وتمنحه صلاحيات عبثية مثل حق منح العضوية المجانية أو المخفضة لأى عدد من البشر حتى لو كانت مساحة النادى لا تتحمل نسبة ضئيلة من الأعضاء الجدد أو القدامى. وبهذه الطريقة يتم إفساد الطابع الديمقراطى للجمعيات العمومية، وتتحول معظم الأندية المصرية إلى نسخ حديثة من الحزب الوطنى الديمقراطى، ويعيد رؤساؤها تكراراً لشخص وصلاحيات الزعيمين المؤمن والمزمن!



معظم كارهى الفساد فى مصر لا يكرهونه لأنهم أصحاب مبادئ، ولكن بسبب عجزهم عن المشاركة فيه والتربح منه كالآخرين. ولهذا السبب يتكاثر الفاسدون كالأرانب وينقرض الصالحون كالغول والعنقاء والخل الوفى!
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف