الأهرام
لواء أ ح م مسعد الششتاوي
صفحات مضيئة فى تاريخ العسكرية المصرية.. عيد النصر
تحقيقاً لأهم منجزات مبادئ ثورة يوليو عام 1952، غادر آخر جندى بريطانى أرض البلاد فى يوم 13يونيو عام 1956وأقفلت الصفحة الأخيرة لتاريخ الاستعمار البريطانى لمصر، وهى الصفحة التى حاولت بريطانيا إعادة فتحها مرة أخرى يوم 29 أكتوبر عام 1956 باستخدام القوة المسلحة بعد أقل من خمسة أشهر على خروج آخر جنودها من مصر وذلك عندما قادت عدواناً ثلاثياً بالتواطؤ مع فرنسا وإسرائيل ضد مصر، إلا أن هذا العدوان الثلاثى قُدر له الانحدار والفشل أمام تلاحم أسطورى بين شعب مصر العظيم وقواته المسلحة وصمود مدينة بورسعيد الباسلة ولتنسحب قواتهم فى الثالث والعشرين من شهر ديسمبر عام 1956.

لقد جاء هذا العدوان الثلاثى على مصر عقب قيام الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يوم 26 يوليو عام 1956 بإعلان الشركة العالمية لقناة السويس شركة مساهمة مصرية وما سبق ذلك من اشتعال الثورة الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسى الذى ظل محتلاً أراضيها لأكثر من 130سنة وتأييد مصر ودعمها الكامل مادياً ومعنوياً لهذه الثورة وللشعب الجزائرى الشقيق، ثم قيام مصر فى سبتمبر عام 1955 بعقد صفقة الأسلحة التشيكية بالاتفاق مع الإتحاد السوفيتى السابق، بينما وجدت إسرائيل بدعوتها للمشاركة فى هذا التحالف فرصة لشن عدوانها تحت مظلة هذا السّخط الأنجلو/ فرنسى على مصر، وبالتالى اتفقت أهداف المؤامرة الثلاثية لإيقاع الهزيمة بجيش مصر وقيادتها والذى بدأت مبرراته تتراكم منذ ثورة يوليو 1952 ثم قيام مصر بتأميم قناة السويس فى يوليو 1956، بينما أرادت فرنسا أن تقضى على الثورة الجزائرية بالعدوان على مصر والتى كانت فى ذلك الوقت تمثّل السّند الأول لهذه الثورة.

بدأ التخطيط الفعلى للغزو اعتباراً من يوم 28يوليو 1956 (أى بعد يومين فقط من تأميم القناة)، فقد اتفقت انجلترا وفرنسا على القيام بعمل عسكرى مشترك بينهما، وبدأت الاستعدادات فى تجميع القوات كما بدأ النشاط فى الموانئ البريطانية وفى ميناء طولون الفرنسى لإعداد حاملات الطائرات والسفن الحربية والغواصات حيث برزت على السّطح فكرة إشراك إسرائيل فى الصراع لخلق ذريعة مقبولة للتدخل الأنجلو/ فرنسى أمام الرأى العام العالمى بحيث يُنقل الأمر من عدوان يقف العالم ضده ولا يؤيده إلى عمل مشروع لحماية الملاحة الدولية فى قناة السويس نتيجة للصراع المسلح الدائر حولها شرقاً فى سيناء بين القوات المصرية والإسرائيلية، وأيضاً وباتباع تدابير الخداع يمكن إظهار إسرائيل وكأنها تعمل منفردة ودون اتفاق مسبق مع باقى ثلاثى العدوان حيث تقوم باستدراج القوات المصرية إلى شرك منصوب لها بمهارة فى سيناء ليسهل قطع خطوط مواصلاتها إلى غرب القناة بإشغالها بالقتال فى الشرق، وبالتالى تتمكن القوات الإنجليزية والفرنسية من السيطرة على جبهة قناة السويس دون تدخل القوات المصرية.

ثم دار القتال، كان هدف القوات الإسرائيلية تركيز الجهود شمالاً على محور رفح/ العريش حيث كانت وحدتى التى كنت أقاتل معها تعمل على هذا الاتجاه مع دفع قوة أخرى لشن إغارة خداعية فى منطقة أبو عجيلة جنوب العريش وتكثيف دورياتها على خط الهدنة شرقاً، وفى وسط وغرب سيناء قامت بتنفيذ إبرار جوى فوق منطقة صدر الحيطان ممر متلا حيث لحق هذا الإبرار رتل بّرى مدرع على محور الكونتيلا نخل وفى نفس الوقت تتكفل القوات البحرية والجوية الإنجليزية والفرنسية بمعاونة القوات الإسرائيلية بصورة شاملة كذلك القيام بالإنزال فى مدينة بورسعيد واحتلال أغراض حيوية مجاورة للمدينة ولقناة السويس بهدف ادعاء نشوب صراع عسكرى يهدد الملاحة الدولية فى القناة.

بدأت القوات الإنجليزية والفرنسية تحركها فى قبرص ومالطة والجزائر يوم 25أكتوبر 1956 معلنة بأن هذه التحركات تتم بغرض التدريب كما وصلت طائرات مقاتلة قاذفة من طراز الميستير الفرنسية إلى المطارات الإسرائيلية، وكان القرار الأنجلو/ فرنسى مقصوراً على تنفيذ الإبرار بالقوات البريطانية غربى/ بورسعيد وفى مطار الجميل فى اول الأمر، بينما تنزل القوات الفرنسية جنوب المدينة فى منطقة الرسوة وفى بورفؤاد، وبمنتهى السرعة يتم احتلال المدينة ثم الزحف جنوباً بعد ذلك مع شن هجمات جوية ضد العمق المصرى.

كانت خطة العدوان الثلاثى تعتمد أساساً على دقة التنسيق بين معارك المجهود الثانوى فى سيناء شرق القناة والمجهود الرئيسى غرب القناة... إلا أنه من أمثلة ضعف هذا التنسيق والتعاون بين قوات ثلاثى العدوان أن قامت القوات الجوية الإسرائيلية بقصف المدمرة كوين البريطانية فى مدخل خليج العقبة. فوجئت قوات العدوان الثلاثى وعلى غير المتوقع بقرار القيادة المصرية بسحب قواتنا من شرق القناة إلى الغرب للتصدى للقوات الأنجلو/ فرنسية المعتدية على مصر، ولكن على الرغم من صدور هذا القرار فإن قواتنا البرية العاملة فى سيناء خاضت في أثناء ارتدادها معارك وحققت بطولات أسهمت فى تحقيق انسحاب منظم إلى الغرب بأقل الخسائر، كما أبحرت شرقاً المدمرة المصرية ابراهيم من ميناء بورسعيد بقيادة القبطان حسن رشدى يوم 30 أكتوبر وقامت بقصف ميناء حيفا محدثة به خسائر فادحة.

كانت قوات العدوان تأمل خاصة بعد الإنذارات التى وجهتها للقيادة المصرية في أن تحدث ثورة أو انقلابا فى مصر، ولكنهم فوجئوا بعكس ذلك، فقد كان العامل الحاسم قد برز واضحاً فى إصرار شعب مصر العظيم على القتال والاستعداد لاستمراره بجانب قواتهم المسلحة. ويتواصل القتال، وتدور المعارك والعمليات الفدائية على مدي خمسين يوماً ضد قوات العدوان سواء فى سيناء أو على جبهة قناة السويس خاصة فى مدينة بورسعيد والتى تصدى أبناؤها من أبطال المقاومة الشعبية جنباً إلى جنب مع مجموعات قتال من القوات المسلحة وجماعات من الصاعقة بعملياتهم البطولية الجريئة ضد جحافل العدوان وأساطيلهم، ونتيجة لارتفاع حجم الخسائر فى هذه القوات المعتدية اضطرت دول العدوان الثلاثى إلى الانسحاب من شرق وغرب القناة ومن مدينة بورسعيد الباسلة وليرحل آخر جندى لهم عن مصر فى يوم النصر 23ديسمبر 1956 خاصة بعد وقوف المجتمع الدولى بجانب الحق المصرى.
تعليقات
اقرأ ايضا
الصحف